كاتب ومقال

دار في خاطري| قصة النار والمطر

بقلم: ريم السباعي

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة كانت الأم وأبناؤها جالسين في كوخهم الصغير المتصدع، ويشعلون النار في الخارج لعلها تمدهم بشيء من الدفيء، وكانت الرياح القوية تهب بين الحين والحين فتحدث صفيرا حادا، وتمر عبر الصدوع فتحدث صوتا مخيفا، فكلما سمعوا هذا الصوت أمسك الابن الأكبر البالغ من العمر سبع سنوات يد شقيقتيه الصغيرتين، وينظر إلى أمه ويبتسم ابتسامة طفولية بريئة، وكأنه يطمئنهن.

بدأ صوت الرياح يهدأ شيئا فشيئا ليحل محله صوت المطر الذي راح يهطل بغزارة، فأطفأ النار، وراح يتسلل إلى داخل الكوخ من خلال الشقوق والتصدعات، فأسرعت الأم وأحضرت المظلة، وأجلست الأطفال تحتها لتحميهم من ماء المطر، قالت الطفلة الصغيرة البالغة من العمر أربع سنوات:

إنني أشعر بالبرد، لماذا أطفأ المطر النار التي كانت تدفئنا؟! فقالت شقيقتها ذات الخمس سنوات: لأن الماء تطفئ النار، أليس صحيحا يا أمي؟ فقالت الأم: أجل يا حبيبتي، قال الابن: أشعر بالجوع، فقالت الأم: سأحضر لكم طعاما.

فأسرعت الأم لتأتي لهم بطعام فلم تجد سوى بعض كسرات خبز يابسة في السلة، وجرعتين من الماء في الإناء الفخاري، فأتت بهم وقسمتهم بينهم.

شعرت الأم بحزن أطفالها الذي التحم بالجوع والبرد ليكمل سيمفونية الشقاء، فخطر ببالها أن تحكي لهم حكاية لتؤنسهم بها، ولعلها تخفف عنهم ما حل بهم.

قالت الأم: سأحكي لكم حكاية، فهلل الأطفال بسعادة، فقالت الأم: يحكى أنه في زمن قريب وليس علينا ببعيد كان هناك ثلاثة أطفال يعيشون في بيت جميل مع والديهم، وفي يوم من الأيام نشب حريق كبير في البيت، فأسرع الأب ليطفئ الحريق، بينما أسرعت الأم إلى غرفة الأطفال لتطمئن عليهم وتطمئنهم.

لم يستطع الأب إخماد الحريق، فقد كانت النار تنتشر بسرعة كبيرة، وتلتهم كل شيء بالبيت، فأسرع الأب إلى حيث الأم والأطفال، وقال: لا فائدة من الجهد، لابد أن ننقذ الأطفال الآن، فنظرت الأم فإذا بالنار قد وصلت حتى باب الغرفة.

حمل الأب الطفلتين الصغيرتين، بينما حملت الأم الطفل الأكبر وهرولا نحو الشرفة، وراحا يصرخان ويستغيثان، فأسرع بعض الجيران إلى البيت لإخماد الحريق، بينما نزل البعض إلى الشارع وراحوا يطلبون من الأب أن يلقي بالأطفال لإنقاذهم، لكن الأب تردد، فخشي أن يلقي بأطفاله من الطابق السادس، بينما راحت الأم ترجوه ألا يفعل.

نظر الأب حوله فوجد النار وقد أصبحت على مقربة منهم، فجعل الأم تحمل إحدى الطفلتين، وباغتها وألقى بالطفلة الصغرى إلى الجيران في الشارع، صرخت الأم ولكنها اطمأنت حين رأت الطفلة بخير، فحمل الأب الطفلة الثانية وقبل أن يلقي بها أمسكت بثيابه، فقام بتهدئتها، ومن ثم ألقى بها، اطمأنت الأم عليها وهم الأب لحمل الطفل ولكنه تشبث بأمه، فقالت له اهرب من النار وسنلحق بك، وبعدها استطاع الأب أن يحمله وألقى به من الشرفة هو الآخر.

طلب الجيران من الزوجين أن يقفزان فلا مناص من هذا الآن، فألقى الزوج بزوجته بغتة وبقي وحيدا بين النيران التي أحاطت به، ففكر في لحظة في مصير زوجته وأطفاله إذا أصابه مكروه، ومن ثم قفز من الشرفة.

تم إنقاذ الأسرة بالكامل دون أي إصابات خطيرة، ولكن لم يعد لديهم بيت للعيش به، حتى مكتب المحاماه الخاص بالأب الذي كان يحتل إحدى غرف البيت قد احترق، وضاع كل المال الذي بحوزتهم، فلم يعد أمامهم إلا المكوث في كوخ صغير وقضوا أياما قاسية، اشتد فيها الكرب.

ولكن الله أنعم عليهم بالصبر، فراح الأب يعمل ليل نهار، وزوجته تساعده في العمل حتى استطاعا توفير المال اللازم، وأصبح لديهم بيتا كبيرا وحديقة جميلة.

وهكذا انتهت الحكاية، قال الأطفال: الحمد لله نحن لدينا كوخ جميل، الحمد لله نحن لدينا مظلة تحمينا من المطر، الحمد لله نحن لدينا نارا يطفئها المطر فلا تحرقنا، الحمد لله نحن لدينا خبز وماء، فأصبح الأطفال سعداء راضين بما قسمه الله لهم، ومن ثم راحوا في سبات عميق.

نظرت الأم إلى أطفالها وتمنت لهم أحلاما سعيدة وأياما مشرقة، ثم قالت لنفسها: حمدا لله لقد كانوا صغارا لم يتذكروا شيئا مما حدث، لقد تأخر زوجي كثيرا، اتمنى أن يكون بخير، بإذن الله سيكون بخير، وسيصبح لدينا بيتا كبيرا وحديقة جميلة.

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى