يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك قرية صغيرة، تحيا حياة هادئة مستقرة، وكان أهلها متحابون، يعرف كل منهم الآخر ويثق به.
كانت تتوسط تلك القرية شجرة كبيرة وعجيبة، فقد كانت تلك الشجرة تؤتي ثمارا مختلفة ومتنوعة، فقد كان ثمرها المختلف الأشكال والأنواع كثيرا يكفي حاجة أهل القرية والفائض يتم بيعه للقرى المجاورة.
وقد كان أهل القرية المحبون للحكايات والثرثرة يجتمعون كل مساء تحت شجرتهم العجيبة، يتسامرون، ويضحكون، ويقص عليهم شيخهم قصص الأبطال القدامى، والفرسان البواسل الذين خلد التاريخ أسمائهم.
كان أهل القرية ينتظرون المساء ليقيمون تلك الأمسيات، ولقد كانت تلك الحكايات تنال إعجاب الشباب خاصة الحكايات التي تحكي عن البطولات، والأعمال التي لا يجرؤ على فعلها إلا الشجاع المغوار، فقد كانت أسماء أبطالها تذكر في كل وقت وحين، ويضرب بها الأمثال في القوة والجسارة.
وفي أحد الأيام أتى شاب إلى الشيخ يخبره بأنه يود أن يصير مثل أبطال الحكايات، فهو كم يتمنى أن يخلد اسمه ويذكره الناس ويبقى ذكره على مر العصور والأزمان، فأخبره الشيخ بأنه لابد أن يقدم على فعل شيء لم يسبقه إليه أحد حتى يذكره التاريخ.
مضى الشاب يفكر في شيء يفعله، وقام ببعض المحاولات التي باءت جميعها بالفشل من وجهة نظره، فقد كان يراها أشياء بسيطة لا تنطوي على القوة أو الشجاعة والإقدام، فقد قام بإنقاذ طفل كاد يسقط في النهر، وتضميد جرح كلب، وسقاية النباتات في كل صباح، ولكن لم يتحدث عنه أحد، ولم يصبح حديث أهل القرية، لذا فقد شعر بأن تلك الأعمال لن تخلد اسمه، لذا فمضى يفكر في شيء آخر.
وفي يوم من الأيام استيقظ أهل القرية فوجدوا الشجرة العجيبة ملقاة على الأرض، فقد قطعت بألة حادة، فأصابهم الحزن والغضب، ومضى الجميع يتحدثون عن الشجرة المقطوعة، ويبحثون عن الفاعل حتى أصبحت تلك الحادثة هي حديث أهل القرية صباحا ومساءا.
وعندئذ صاح الشاب والناس مجتمعون ليعلن أمامهم بكل فخر أنه قاطع الشجرة، ليعم الصمت على جميع الحاضرين الذين توجهت أنظارهم نحو الشاب الأهوج الذي أسقط كلماته عليهم كالصاعقة، فيبدد ذلك الصمت صوت الشيخ قائلا للشاب: لماذا فعلت فعلتك هذه أيها المتهور؟! فيجيبه الشاب بثقة وثبات: لكي يتحدث عني الجميع، ويذكرني التاريخ.
وهنا علت الأصوات موبخة الشاب على فعلته الحمقاء، فيعلو صوت الشيخ فيصمت الجميع من جديد، فيقول: إن التاريخ يذكر الأبطال، ويذكر المجرمين، ولكن البطل يبقى ذكره دائما محفوفا بالمسرات، فهو القدوة الصالحة لأجيال آتية، أما المجرم فيبقى ذكره مقرونا بالشرور والخبث، فهو المفسد المدمر، فإذا أردت أن تكون محط الأنظار فلتكن بطلا، ولا تكون مجرما، ولا تستهين بأفعالك التي تراها بسيطة، فهي عند الله كبيرة، فهنيئا لمن يذكر اسمه وفعله في الملأ الأعلى، فذلك هو أفضل ذكر للمرء.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: