لم تكن تعلم أن اليوم الذي انتظرته بفارغ الصبر ليكون بداية لسعادة سرمدية، هو نفسه اليوم المشؤوم الذي انتهت فيه سعادتها للأبد، أو ربما كذلك أحست لأن مبتغاها الذي كانت ترنو إليه لم يعد بين يديها بعد اليوم، ففي البداية كان ينتابها شعور بسعادة لا توصف، فهذا هو اليوم الذي تمنته منذ سنوات عديدة، فاليوم زفاف آخر أبنائها، وستبدأ هي وزوجها مرحلة جديدة من حياتهما خالية من المتاعب، مليئة بالراحة والرفاهية.
لم تكن سعادتها العارمة بسبب زواج ابنها قدر ما كانت بسبب المال، أجل! المال الذي لم يعد يشاركها فيه أحد، فلم يعد لأحد أبنائها حاجة في مال والده، فلكل منهم عمله الخاص، أما زوجها فقد اعتاد على إنفاق القليل من المال، فلقد علمت بعد زواجهما أنه شحيح، وذلك لا يتفق مع طبيعتها التي اعتادت عليها منذ صغرها، بل هي على النقيض من طبيعتها المبذرة للمال، ولكنها استطاعت بمرور الوقت وإنجاب الأطفال أن تنحي منه تلك الصفة عنها وعن أبنائها.
لقد أنفق بسخاء من أجل متطلباتهم، ولكنه أبقى على الشح لنفسه، وذلك ليكفيهم مذلة الحاجة، والإلحاح في السؤال، أما هو فقد اعتاد على العيش بالقليل.
أما هي فلم تكن لترضى بهذا العيش لولا انتظارها لهذا اليوم، أجل! اليوم الذي لم يعد لأحد حاجة في المال سواها، وباتت تحلم بالإنفاق والتبذير، فذلك هو العيش الرغد الذي طالما تمنته.
ولكن ما حدث في هذا اليوم لم تكن تتوقعه، أو يخطر لها على بال، فلقد طلقها زوجها في ختام هذا اليوم معلنا بذلك الطلاق انتهاء مدة العقوبة التي استمرت لثلاث عقود متوالية.
لم يكن يعلم أنه أخطأ منذ ثلاثين عاما حين أبهره جمال تلك المرأة وأناقتها إلا عندما أيقن بأنه لابد من دفع ثمن ذلك، ومع مضي السنين وتقدمه في العمر بات يزهد الحياة، فلم يعد يغمي عيناه بريقها الزائف، وشعر بفنائها في شعره الأشيب، ووهنه، وإنحناء ظهره، ففكر في إصلاح ذلك الخطأ، ولكن لابد من إيجاد اللحظة المناسبة حتى لا يقع في خطأ أكبر منه، وكان على يقين بأن تلك اللحظة هي الأفضل على الإطلاق، فخبرته في الحياة التي اكتسبها على مر السنين تؤكد له ذلك.
أما هي فلم تعد تفهم لماذا حدث هذا؟! فهي لم يحدث منها أي تقصير على مدار ثلاثين عاما، فهكذا يكون الجزاء؟! لقد تحملت الكثير من الصعاب في تلك الحياة، وكذلك طباعه التي تخالف طباعها، فقد أخطأت الإختيار، ولكنها لم تكتشف ذلك إلا على مر الأيام، وها هي اليوم تنال جزاءها الذي تراه كجزاء سنمار.
وعندئذ تذكرت شيئا ما طالما شغل تفكيرها عندما تجد أبناء أخواتها، وأبناء أصدقائها لديهم ما يميزهم عن أبنائها، فقد كانت تفكر لماذا لم تختار أبناءها؟! ولو أتيحت لها الفرصة لإختارت هؤلاء الأبناء المميزون، فلقد أدركت الآن أنها لم تخسر في إختيار أقرب الناس إليها، ليس أبناءها فقط، فهي لم تختر والديها، وأخواتها، وإخوانها، وأعمامها، وعماتها، وأخوالها، وخالاتها، وأجدادها، فقط شخص واحد كان لها فيه الاختيار، إنه زوجها، وعلى الرغم من أنه شخص واحد إلا أنها أساءت الاختيار، وهذا ما حدث معه هو أيضا.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: