كاتب ومقال

“ميلان كونديرا” في الجنة

مات مؤخرا واحد من أعظم الكتاب الذين ظهروا في القرن العشرين،، (ميلان كونديرا)،، الكاتب الذي لفت رواياته العالم وتأثر بها الملايين باعتباره يطرح أفكارًا جريئة ومغايرة ويدخل في عمق إنساني يثير التساؤلات والشكوك والبهجة والحزن وأحيانا الفزع.

عرفته من البداية وكلما قرأت أحد رواياته (إذا اعتبرناها روايات بالمعنى المجازي) كنت اكتشف نفسي واضع خطة وجودية للنجاة وألقي من ذهني حقيبة ممتلئة بالأفكار القديمة وافتح دولابا لأفكار جديدة ومطارق جديدة أدق بها على رؤوس الجوامد والسواكن.

حين مات توقعته سيكون صديقي في الجنة وودعته للقاء هناك قريب أو بعيد.

المثير في الأمر أن حديثي عنه لم يحظى بشغف بعض الناس ،، فلم يسألوا من هو وما أهميته وما هي كتبه ولماذا تأثرت به؟ ما أثار شهيتهم السؤال الأكثر عمقا في تاريخ العقل الإسلامي العتيق (لماذا يدخل الجنة؟ وهو كافر).

في الحقيقة لا نملك أنا ولا (كونديرا) نفسه إجابة لهذا السؤال، لا نملك حتى جرأة أو ترف مجرد التفكير في الاحتمالات الممكنة للرد على هذا السؤال.

لكن من يسألون هذا السؤال يستطيعون الإجابة أيضا ويقومون بتوزيع المصائر بكل سهولة ونزق ليكون هذا في النار وهذا في الجنة وهذا مؤمن وهذا كافر.. الخ، هم في النهاية مجموعة من الخائفين الذين يتجمدون من الفزع لدرجة أنهم لا يستطيعون رؤية الله، وتقتصر حدود أدمغتهم المسكينة على رؤية الجنة والنار فقط، فالتفكير فيما وراء ذلك قد يجعلهم خاسرين في معركة مفتعلة المتسبب الأول فيها هو شعورهم الخائب بالفشل في الحياة.

ضع نفسك مكانهم لتجد أنهم مساكين سيشعرون بخيبة أمل قاتلة إذا دخلوا الجنة وشاهدوا (ميلان كونديرا) يتنزه جانبهم في نفس النعيم بينما هو لم يركع ركعة واحدة لله ( من وجهة نظرهم)، المصيبة الأكبر أنهم هم أنفسهم قد يدخلون النار بعد كل هذا الوهم العنيد عن إيمانهم وتقواهم وورعهم،، وقد يكون سبب دخولهم النار أنهم قالوا عن (كونديرا) أنه كافر.

من أقوال (كونديرا)
“تصور أنك صادفت مجنونا وادّعى أمامك أنّه سمكة، وأننا جميعًا سمك. أتراك تجادله؟ أتراك تتعرى أمامه لتقنعه بأنك لا تملك زعانف؟ أتراك تقول له صراحة ما تفكر فيه؟ هيّا قل لي! لو أنك قلت له الحقيقة فحسب، واقتصرت على إخباره برأيك الحقيقي فيه، فمعنى هذا أنك توافق على الخوض في نقاش جاد مع مجنون، وأنّك أنت نفسك مجنون كذلك، ينطبق هذا بالضبط على العالم الذي يحيط بنا، فإذا أصررت على أن تقول له الحقيقة بصراحة، فهذا معناه أنّك تأخذهُ على محمل الجد. وأخذُ شئ غير جاد على محمل الجدّ معناه أننا نفقد كل جدّيتنا. فأنا مضطر للكذب لكي لا آخذ مجانين على محمل الجدّ وكي لا أصاب أنا أيضًا بالجنون”.

ارقد بسلام أيها الصديق
نلقاك في الجنة.

بقلم
فيصل شمس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى