كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| دي مش زبالة يا جاهل

ترى ما هي الأفكار التي ستدور برأسك عندما ترى جامع القمامة يعبث بمحتويات صندوق القمامة الخاص بك في الصباح وذلك الذي وضعته مساء أمس خارج باب شقتك قبل أن يحمله إلى العربة المخصصة؟

كثير منا مر بهذا المشهد بين فضول وإعجاب وندم على عدم استغلال القمامة والمخلفات على الوجه الأمثل كما يحدث في دول اخرى كثيرة، عفوا فمنظومة تدوير المخلفات ليست هي موضوع المقال فهذا أمر يطول شرحه ويطول الحديث عما يتم حاليا من جهود و لكن ماهو رد فعلك إذا استيقظت صباحا فوجدت نفس العامل يعبث بكيس القمامة داخل شقتك، الوضع سيختلف كثيرا، الصدمة ستكون أكبر فهذا ببساطة هو الفرق بين الخصوصية والنطاق العام والتي يكون باب الشقة فيها هو الفيصل، وجود القمامة خارج المنزل أو داخله..

هذا بالضبط ما يحدث لك عند استخدام شبكة الإنترنت وبالأخص شبكات التواصل الاجتماعي وباقي التطبيقات أيضا، فما تضعه عليها من منشورات تحمل آراء وصور وأخبار وبيانات ومعلومات تكون في الأغلب مرئية بواسطة الجميع، ليست محفوظة في مكان خاص كالبيانات التي لا تدلى بها على هذه المنصات العامة، وكما يقولون أنه بتحليل القمامة يمكن أن تصل إلى الكثير من المعلومات عن صاحب المنزل فإن الأمر نفسه يحدث لبياناتك التى تضعها على شبكة الانترنت، لا تندهش أن تعرف الناس على أصدقائك، على هواياتك، فريقك المفضل محليا وعالميا، مطربك المفضل، أين قضيت الصيف الماضي وماذا فعلت، دراستك، اتجاهاتك السياسية والدينية والرياضية، آراءك ومعتقداتك وخططك المستقبلية، تحليل كامل لشخصيتك ومزاجك النفسي وهما الأخطر، بهذا التحليل يمكن التوصل إلى مفاتيح شخصيتك التي قد لا تكون انت نفسك تعرفها بهذا الوضوح.

هذا يحدث ببساطة نتيجة ربط وتحليل بسيط أو معقد لما وضعته أو بتعبير أدق “تركته طواعية” في النطاق العام (Public Domain)، الخطورة الأكبر عندما يستخدم أحدهم تلك المعلومات للإيقاع بك أو بأحد أفراد أسرتك أو لتغيير ثقافتك أو انتمائك لبلدك أو دينك أو تغيير قيمك ومعتقداتك وأفكارك والتي لا يمكن بناء الأمم بدونها، ناهيك عن الابتزاز المباشر لك ماديا ونفسيا.

هذا الأمر يحدث من خلال من يتابعك أو من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تستطيع أن ترصد وتخزن وتحلل كل ما تقوم به وما تفكر فيه وتستطيع من خلال ذلك مهاجمتك، فكريا واقتصاديا وثقافيا وغير ذلك.

نعود إلى صندوق القمامة القابع خارج المنزل، يستطيع من خلاله أي جامع قمامة أن يعرف مستواك الاقتصادى وعدد أفراد الأسرة والأطعمة المحببة إليكم وما إذا كان القط الصغير القابع على الأريكة يعاني من مغص أو أن المنزل يمتلئ بالصراصير والناموس، ثم بعد ذلك ترتدى ملابسك وتخرج إلى الطريق معتقدا أنك غامض وأنت في الحقيقة مكشوف، ببساطة لأنك اعتقدت أن ما تركته خارج المنزل مجرد “زبالة”.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى