ما يزال الرهان على الإبداع الفني مؤشرًا على أن “مصر تستطيع”، فكل هذا الزخم الذي تصنعه آلة الدعاية للعديد من أفلام البلطجة والألفاظ الخادشة للحياء، لن يصبح -بمرور الوقت- سوى رغوة فقاقيع، والتجربة خير دليل.
قد تكون هذه الحسابات شديدة الوطأة على منتجي الأفلام الذي يقبلون بفكرة جيدة وطاقم عمل احترافي، مقابل إنتاج فيلم يحمل بصمة الإبداع والاحترافية، على غرار أفلام صلاح أبو سيف، رائد الواقعية في السينما المصرية، وكمال الشيخ “هيتشكوك مصر”، وشيخ المخرجين هنري بركات، والأستاذ يوسف شاهين، والأستاذ عاطف الطيب، وغيرهم، من الرواد تمثيلا وإخراجا، وهو ما جعلها تتربع على قائمة الأفلام الأفضل في تاريخ السينما.
ولكن بالمفهوم ذاته، فمن يتخيل أن تبقى أفلام البلطجة لعشر سنوات، حتى!. الغُصة التي تصيبنا جميعا، أننا أمام أجيال تشربت “عبده موته” “إبراهيم الأبيض” “الألماني” وغيرهم من شخصيات جعلت صفحات الجريمة تأخذ حيزا أكبر في صحفنا، على حساب الثقافة الجادة والقضايا المجتمعية والتوعوية، ولذلك نجد نتيجة تكاد تكون فورية نتجرعها جميعا، فنرى جيلا لا يحترم الكبير ولا يعرف الأصول، ولغته العادية صارت السباب والشتائم بأفظع الألفاظ.
أضف إلى ذلك حراكا غير محسوب على منصات التواصل الاجتماعي، لتأتي المحاكاة فيما بينهم، وتؤتي نظرية الغرس الثقافي أكلها، فترى ما لا يسرك على مختلف المنصات، حال متابعتك لما ينشره جيل الألفية وما بعدهم مما يعرف بجيل Z زد وألفا وغيرهم.
وسط هذه الحالة الضبابية وجدت أن هناك تحفة فنية ومباراة من العيار الثقيل، يقوم بها فريق عمل فيلم “أهل الكهف” لتستمتع بجرعة من الإبداع الفني والإخراج المتميز، وترابط الأحداث والرسائل المتميزة من فريق عمل متناغم، على رأسهم النجوم: خالد النبوي، محمد ممدوح، أحمد عيد. وباقة من الأسماء التي تختار ما يبقى من الأعمال المبدعة.
موسيقى آسرة تشد انتباهك من أول الفيلم، لتبقى بصمة المخرج عمرو عرفة، لنقل أحداث قصة تاريخية بحبكة متميزة واختيار مبدع لأماكن التصوير، وتسلسل درامي تفتخر وأنت تشاهده مع عائلتك، مباراة تمثيلية يشارك فيها نجوم من العيار الثقيل، وبينهم الفنان مصطفى فهمي في دور الملك “دفيانوس” الذي يسعى لقتل أهل الكهف، كما نعرف القصة.
إنني أتمنى لو أستطيع أن أهمس في أذن مرتادي السينما أن يحافظوا على ما تبقى من الذوق العام، وأن يختاروا من يحترم عقولنا وثقافتنا، لتصل الرسالة إلى المنتج محمد الرشيدي، أن فلوسه لم تذهب أدراج الرياح، وأن اختياره أن ينتج هكذا أفلام كان اختيارًا صحيحًا. ادخلوا فيلم “أهل الكهف” وستدركون جيدا كيف تسقط النظرية القائلة: “العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة”.