كلمة ورد غطاها| تشعل المواقع وتثير الجدل
كلما مررت بصورة أو مقطع فيديو مصور منشور في أحد المنصات ووجدت بالعنوان عبارة تشير إلى أن المحتوى “يشعل مواقع التواصل الاجتماعي” أو “يثير الجدل”، تذكرت أساليب الجذب التي تم استخدامها قديمًا في الموالد الشعبية لاستقطاب الزبائن والحضور إلى تلك الخيمة أو ذاك البائع أو العارض، مثل “تعالى شوف العجل أبو راسين” أو “فتاة النار والكهرباء”، وغيرها من العبارات التي ما عادت تلفت نظر الطفل الرضيع.
وبالرغم من تفاهة وسذاجة العبارات المستخدمة في الموالد، وبالرغم من أن عدد الموالد الشعبية في مصر يقدر سنويًا بحوالي 2850 مولدًا للمسلمين والمسيحيين على حد السواء بحسب إحصاء حديث صادر عن الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، حيث تغطي تلك الموالد كافة بقاع مصر، وبحسبة بسيطة نجد أنه في المتوسط يكون لدينا ثمانية موالد يوميًا، وهو رقم كنا نراه مهولًا في الماضي، وكنا نتعجب كيف أن البعض يقضي العام كله متنقلًا من مولد لآخر بدون أن يشعر بالتعب أو الضجر، ولكنه العشق الإلهي وكرامات الأولياء والروحانيات، بالإضافة أيضًا إلى ما يقام على هامش تلك الموالد من أنشطة تجارية أو ترفيهية مثل العجل أبو راسين السالف الذكر.
والحقيقة أن هذا العدد المهول لا يمكن أن يقارن بأي حال من الأحوال بما نتعرض له ليس يوميًا وليس كل ساعة ولكن كل ثانية من الآلاف من المنشورات والصور ومقاطع الفيديو التي تنتهج نفس النهج – نهج العجل أبو راسين – في استقطاب المشاهدين وجذبهم، فتارة نجد عنوانًا لمحتوى لفنانة ترتدي ملابس خفيفة أو ملابس البحر مع الوصف بأن هذا يشعل مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانًا يكون هذا الاشتعال نتيجة صورة لقطة تقف على “حرف بلكونة” أو “صرصار ذو ثلاثة شوارب”.
من العبارات المستفزة أيضًا عبارة “يثير الجدل” التي تسبق العديد من المنشورات، ثم عندما ندخل إلى متن الموضوع نكتشف أن الأمر في غاية التفاهة، فلم يثار الجدل من رؤية فنانة بملابس السباحة، أو نجد فنانًا آخر قد صبغ شعره باللون الأحمر أو ارتدى “فانلة شبك”.
هل هذه هي الأمور التي يفترض أن نستهلك طاقة الجدل والتفكير والنقاش والاختلاف أو حتى الاتفاق فيها؟ أليس الغرض من النقاش ومن الجدل أن نصل إلى توافق أو يغير أحد الأطراف وجهة نظر الطرف الآخر؟ أم أن الجدل يجب أن يستر جدلاً بيزنطياً لا طائل منه ولا نتيجة إلا فقدان المزيد من الطاقة والوقت وابتعاد التركيز والموارد عن الاهتمام بكل ما هو مفيد وإيجابي وبناء؟
نأتي بعد ذلك إلى سؤال – جدلي – آخر، وهو: متى تنتهي الأمور المثيرة للجدل أو متى يمل الناس من متابعتها والجدل حولها؟ ومتى تتوقف مواقع التواصل الاجتماعي عن الاشتعال لتوافه الأمور وتتوهج لعظائمها؟
هذه الهستيريا وما ينجم عنها من توتر وقلق واضمحلال تجعلنا نتطلع إلى يوم لن يجئ تشتعل فيه مواقع التواصل الاجتماعي وتحترق إلى الأبد، ونقوم بنثر رمادها على جبال الأرض حتى لا تعود مرة أخرى.