كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| ازيك يا دكتور

في أحد أيام السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي، وأثناء تواجدنا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة حيث كنا ندرس علوم الاتصالات والإلكترونيات، وفي أحد الاستراحات بين المحاضرات الطويلة والدسمة، أتى إلينا أحد الزملاء بوجه أحمر مضطرب، طالبًا منا أن نستمع إلى الموقف الذي مر به، مستشيرًا فيما فعله، وهل هذا يصح ويجوز أم لا.

الموقف ببساطة، وحسب ما شرحه الزميل، أنه كان يتجول في أحد أروقة قسم الاتصالات والإلكترونيات، فقابله الأستاذ الدكتور أحمد الشربيني، الذي كان يحاضرنا في أحد المواد التخصصية، ما حدث هو أن الدكتور أحمد قام بإلقاء السلام على الزميل، فما كان من الزميل إلا أن أجاب قائلاً: “الحمد لله، إزيك يا دكتور”، ثم انصرف سريعًا.

هل يبدو فيما سبق أي شيء يستوجب تلك الحالة التي انتابت صديقنا؟ بمقاييس اليوم، ربما لا يجد فيها أحد أي مشكلة أو تجاوز، ولكن في هذا الزمن البعيد شعر زميلنا بأنه قد أساء الأدب وتجاوز في الرد على التحية، معتبرًا عبارة “ازيك يا دكتور” لا تليق أن تقال لأستاذ جامعي من طالب لديه، والحقيقة أن أغلبنا استنكر ما حدث، بالرغم من محاولاتنا – غير الحقيقية – للتهوين من الأمر ومحاولة إقناع الزميل بأن ما قاله لفظ “عادي” إلى حد ما، وربما يمكن أن يتقبله الدكتور أحمد على اعتبار أنه كان أكثر تبسّطًا معنا من بعض الأساتذة الآخرين.

للأسف، لا أستطيع أن أتوقف عن مقارنة هذا الزمن وتلك الأخلاقيات بما أراه وأرصده اليوم في أحوال كثيرة. اللياقة والذوق في أزمة، أزمة لا يشعر بها إلا من كان سعيد الحظ ونشأ قبل هذا الانحدار. أما شباب اليوم، فلا أعتقد أنهم يجدون في الأمر أي غضاضة، وربما يملون من قراءة تلك السطور، هذا إذا كان للقراءة نفس الأثر والأهمية اللتين كنا نشعر بهما ونتفاعل معهما ونستجيب لهما في مشاعرنا ومعتقداتنا وسلوكنا.

لا أريد أن ألوث المقال بالحديث عن أمثلة من العصر الحالي، ولكن أفضل أن أختم المقال بما حدث لي شخصيًا مع الدكتور أحمد الشربيني مرة أخرى، حيث جمعتني به الأقدار في أحد الاجتماعات الهامة التي امتدت إلى وقت متأخر من الليل. بعد انتهاء الاجتماع وتبادل السلام، تفرق الجميع كل إلى منزله، وفي أثناء انتظاري لسيارة تقلني إلى المنزل قمت بطلبها من أحد تطبيقات النقل. بعد دقائق من الانتظار، توقفت سيارة، قام صاحبها بفتح الزجاج الخلفي، وهنا أطل الدكتور أحمد سائلاً إياي عن سبب الوقوف وماذا أنتظر. بعد أن قمت بشرح الموقف، وجدته يلِحّ بإصرار ويصر بإلحاح أن يقوم بتوصيلي، ودعاني لركوب السيارة، وهو ما قابلته بالكثير من الاعتذار والشكر، موضحًا أن السيارة التي ستقلني في الطريق بالفعل. وبعد الكثير من العرض والشكر، انصرفت السيارة بعد الكثير من السلام، وهنا تذكرت موقف صديقي وتأكدت قطعا أن الدكتور لم يغضب مما فعله صديقي قبل 33 عامًا من اليوم.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى