خروجتناكلمتها

حكاية أثر – الحلقة الثانية| الأنوثة التي صاغها النيل.. أسرار جمال النساء في الدولة الوسطى

يشع وهج خاص في أروقة المتحف المصري الكبير حين تطل قطع الدولة الوسطى التي تروي فصول الحكاية الأنثوية الأقدم في التاريخ، حكاية امرأة مصرية عرفت كيف تصوغ الجمال من الحكمة، والزينة من الروح، لم يكن الجمال لديها مجرد مظهر يُرضي العين، بل فلسفة حياة تنبع من صفاء القلب واتزان الفكر، فكانت أنوثتها مزيجًا من الرقة والهيبة، ومن الجاذبية والوقار.

تدل المعروضات على أن المرأة المصرية القديمة سبقت العالم في فنون الجمال والعناية بالبشرة والشعر والعطور، حتى صارت رمزًا للأناقة الراقية، فقد ابتكرت أدوات تجميل تنطق بالذوق والمهارة؛ مرايا معدنية مصقولة كالذهب تعكس الضوء كأنها شموس صغيرة تحتضن وجهها، ومقابض من الخشب أو الحجر تُضفي على المرآة فخامة ودفئًا إنسانيًا.

ويشير عدد من المتخصصين في علم المصريات إلى أن أدوات الزينة المكتشفة من تلك الحقبة تكشف عن وعي مذهل بالجمال والنظافة والعناية الشخصية، لم يكن حكرًا على النساء وحدهن، بل شاركهم فيه الرجال أيضًا، إذ رأى المصري القديم أن الجمال طقس يومي من طقوس الاحترام للحياة ذاتها.

في أركان المتحف، تتلألأ أواني الكحل والعطور كتحفٍ مصغرة تحمل عبق الزمن؛ فقد استخدم المصريون حجر الجالينا أو الملاخيت بعد طحنه ومزجه بالزيت لتزيين العينين بالكحل الأسود، بينما احتوت الأواني الحجرية على زيوتٍ وكريماتٍ معطرة تضفي للبشرة رونقًا ورائحة تدوم طويلًا، أما أوعية الكحل ذات الأغطية المحكمة، فكانت دررًا فنية، امتزج فيها المعدن بالألوان خلال عملية التزجيج التي أبدعها الحرفيون المصريون ليصنعوا من كل قطعة لوحة لا تتكرر.

أما الشعر، فكان لغة الأنوثة والهيبة؛ تسريحات قصيرة أو ضفائر طويلة تنساب على الكتفين، وباروكات موجية كثيفة تعكس جمال المعبودة حتحور، ربة الحب والموسيقى.

كانت كل خصلة تُنسج بعناية لتُبرز ملامح الوجه وتُعلن المكانة الاجتماعية، ظلت المرأة المصرية القديمة أيقونة للجمال والذكاء والفن، تجسيدًا للتوازن بين الحُسن والروح، وبين الرقة والعظمة.

وجدير بالذكر أن مساء السبت ١ نوفمير، أضاءت مصر سماءها بافتتاح المتحف المصري الكبير في مشهدٍ أسطوري جمع بين عظمة الماضي وروعة الحاضر، هذا الصرح الذي يقف شامخًا على مقربة من أهرامات الجيزة يُعد أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، يضم بين جدرانه أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تحكي رحلة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ حتى اليوم.

المتحف ليس مجرد مكان للعرض، بل منارة ثقافية وسياحية تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وتاريخه، وتجعل الزائر يعيش تجربة فريدة تمزج بين العلم والجمال والإبهار.
وفي لحظة افتتاحه، بعثت مصر برسالة جديدة إلى العالم: «هنا مهد الحضارة، وهنا الجمال الذي لا يشيخ، وهنا التاريخ الذي ينهض من جديد ليحكي قصته بلسان العصر.»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى