“شمس التبريزي”.. معلم العشق الإلهي
عرف التصوف من روح “شمس التبريزي“، المعلم الدرويش الذي عبر عن أسمى أنواع العشق، “العشق الإلهي” الذي سعى من أجله برفقة صديق روحه “جلال الدين الرومي“.
هو “محمد بن ملك داد التبريزي“، عارف وشاعر ومتصوف فارسي، ولد عام 1185 في تبريز وهي رابع أكبر مدن إيران، منذ نعومة أظافره شعر باختلافه عن غيره من الأطفال، ففي سن العاشرة قال لوالده “ابن الإمام علاء الدين” أنه يرى رؤى روحانية.
فكان يشعر أنه في بعض الليالي يصعد إلى السماء السبعة بخفة، ثم يهبط إلى أعمق حفرة في الأرض، ولكن لم يصدقه إنسان آنذاك حتى والده، وبعد وقت طويل هاجر التبريزي بحثًا عن الله، فتجول من بلد لآخر، وزار معابد وأطرحة وخطى نحو طرقًا لم يسلكها غيره، كما شارك الدروايش مجالس الذكر وتكيات بلاد العالم، لكنه لم يقيم بمكان أكثر من ليلة واحدة،
فاتخذ من تفسير الأحلام وقراءة الكفوف مهنة له، وكان يتقن اللغة الفارسية والعربية والتركية، فزار مدن كثيرة منها دمشق وحلب وبغداد وقونية، حتى تعلم الصوفية، وتزهد في ملذات الحياة رغبة في العشق الإلهي الخالد، حيث كان يرتدي لباسًا خشنًا يتكون من قلنسوة طويلة مصنوعة من اللباد الخشن، وأحيانًا أخرى يرتدي لباس الأغنياء، حيث كان يعتقد أن روح الإنسان وقلبه أهم من مظهره الخارجي، فصفاء قلبك ينعكس عل ملامحك لامحال.
“إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس، فاجعل قلبك لا عقلك دليلك الرئيسي، واجه، تحد وتغلب في نهاية المطاف على النفس بقلبك، إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله“.
شمس التبريزي
لقاء الرفيق الروحي:
على الرغم من أن البعض اتصف شمس التبريزي بالجنون بما يخص رؤياه، لكنه علِم أنه سيلتقي برفيقًا يخبره عن رحلاته وينقل إليه معرفته، فيتعلق الرفيق بالصوفية والشعر ويهجر الحياة، ولكن ما لم يستطع تفسيره، لماذا يسكن الحزن عين صديقه في رؤياه، ويصرخ دومًا على فقدان أحدهم؟
لكنه رُغم ذلك كان يقين تام أنه قريب بشكل أو بآخر، انتظره كثيرًا حتى عام 1244، حيث خرج للتجول يومًا لم يكن يعلم أنه سيغير مجرى حياته، ليلتقي بالعالم “جلال الدين الرومي” في قونية بتركيا، ليعلم في قرارة نفسه أن الوقت قد حان، فكان الرومي رجل دين وعالم شريعة، لكنه عرف بقدرته على تبين ما وراء الظاهر ليعرف ما يحمله قلبك.
كما شعر أن هناك ما يجب عليه أن يبحث عنه، أن روحه تمكث في مكانٍ آخر، عليه الاجتماع بها ليبدأ رحلته المجهولة، فكان التبريزي هوالروح المفقودة، فتعلق الرفيقن بصداقة جمعتهم نحو العشق الإلهي، فعلم التبريزي جلال الرومي علمه الواسع الذي خاض بلاد العالم بحثًا عنه.
فأصبح الرومي شاعر ومتصوف تتلمذ على يد التبريزي، حتى تآلفت الأرواح وسكنا سويًا في قونية يتشاركا العلم والشعر والزهد أملًا فيالعشق الإلهي، كما اعتكف الصديقين أربعين يومًا ليكتبوا القواعد الأربعون للعشق، حتى أصدر كتاب يحمل اسم“قواعد العشق الأربعون” للكاتبة إليف شافاق.
واستمرت تلك الصداقة الفريدة حتى تحققت رؤياه التي جهلها طويلًا، فاختفى شمس التبريزي في ظروف غامضة عام 1248، فلم يصل المؤرخون حتى الآن إلى سبب الوفاة، فقال البعض أنه قتل على يد تلاميذ جلال الدين الرومي، والبعض الآخر يفيد أنه غادر قونية وتوفى في “خوي” حيث دفن وبني له ضريح.
اقرأ أيضًا: “إليف شفق” .. كاتبة أبدعت في الأدب الصوفي من خلال “قواعد العشق الأربعون”
مؤلفات شمس الدين التبريزي:
ألف التبريزي عدد كبير من المؤلفات ترجم أغلبها إلى لغات مختلفة حول العالم ومنها:
1- أنا والرومي: وهو عبارة عن عدة مقالات، تروي وتوضح أفكار شمس وعلمه الواسع، وهو ترجمة “وليام شيتيك“.
2- مرغوب القلوب: وهو كتيب جمع بين الحكمة والأفكار التي تعتبر أساس الصوفية، كتب باللغة الفارسية ويبلغ 11 صفحة.
3- ديوان شمس التبريزي: وهو مجموعة قصائد جمع فيها التبريزي أشعاره ورباعيات عن العشق الإلهي، حيث يحوي 42 ألف بيت شعري.
“إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا إنعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا، فإذا لم يجلب الله لنا سوى الخوف والملامة فهذا يعني أن قدرًا كبيرًا من الخوف والملامة يتدفق لقلوبنا“.
القاعدة الأولى للعشق
اقرأ أيضًا: جلال الدين الرومي.. رائد العشق والتصوف