عرفت المرأة دومًا بأنها أول ما يقف في الصفوف التي تناشد من أجل رفض الظلم، وخير دليل على ذلك هو المجتمع الجزائري الذي شهد عدد من المناضلات اللاتي وقفن شامخات ضد الاستعمار، ومن بينهن امرأة عرفت بقوتها ونادت من أجل تمكين المرأة منذ قرون مضت إنها الروائية والمخرجة الجزائرية “آسيا جبار“.
الاختباء وراء اسم مزيف
أحيانًا قد تجبرك الظروف على اللجوء لأمور لم تكن قد خطرت ببالك يومًا، وإنما إيمانك بقضية هو الذي يقودك نحو الاختباء لتحقيق المراد أحيانًا، وهذا ما حدث بالتحديد مع الكاتبة آسيا جبار، فاسمها الحقيقي هو “فاطمة الزهراء إيملاين“، ولكن لماذا قامت بالاختباء وراء اسم مزيف؟
آمنت آسيا جبار منذ طفولتها بدورها المؤثر في الدفاع عن حقوق المرأة، ولأنها رغبت في مؤازرتها في رواياتها والحديث عن بلدها الجزائر كان لابد من الوصول إلى وسط يمكنها من التعبير عن آرائها في ظل السلطة الأبوية.
ولهذا غيرت فاطمة الزهراء إلى آسيا لتتمكن من إخفاء كتاباتها عن والدها، ونشرت روايتها الأولى عام 1957 وحملت عنوان “العطش” تدور أحداثها حول الخيانة والإغواء داخل الطبقة العليا في الجزائر، حتى أصبحت بمرور السنوات واحدة من أهم كاتبات القرن العشرين.
اقرأ أيضًا: هل عاشت “أجاثا كريستي” حكايات أشبه برواياتها الغامضة البوليسية ؟
الكاتبة آسيا جبار
شهد يوم 30 يونيو عام 1936 ميلاد امرأة من أهم روائيات العصر الحديث في إحدى أحياء الجزائر، أمضت آسيا بعض أوقات طفولتها مدرسة داخلية في مدينة “البليدة” حيث كانت تركز على دراسة القرآن الكريم، وصولًا إلى المرحلة الثانوية كانت الطالبة المسلمة الوحيدة في فصلها الدراسي، ثم التحقت بجامعة السوربون عام 1956 وحصلت على الدكتوراة من جامعة مونبلييه فيباريس.
كانت سنوات مراهقة آسيا تصادف ذروة أحداث حرب الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا، فأمضت شبابها في لحظات حرجة تسودها الحرب وتزداد الضحايا يومًا تلو الآخر، حيث أجرت آسيا مقابلات مع عدد من اللاجئين في المغرب وتونس من أجل إلقاء الضوء على الآثار السلبية للاستعمار على العالم أجمع.
لذلك قررت آسيا جبار بدء رحلتها نحو الكتابة بعد أن اتجهت إلى تغيير اسمها، وبعد روايتها الأولى “العطش“، أصدرت روايتها الثانية بعد عام واحد فقط وحملت عنوان “القلقون“، حيث كانت تدور أحداثها على الأمور الداخلية التي كانت تحدث في الطبقة العليا في الجزائر.
وصولًا إلى عام 1962 نشرت آسيا جبار رواية “أطفال العالم الجديد“، وأبرزت فيها دور المرأة حرب الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا، ثم عام 1967 تتمة لرواية “أطفال العالم الجديد” بعنوان “القبّرات الساذجة“، وهي رواية تناقش صعود الحركة النسوية في الجزائر.
فحرصت في روايتها على تجسيد الموقف المناهض للاستعمار والسلطة الأبوية، وكذلك ألقت الضوء على دور المرأة في ظل الأحداث الدولية الفارقة من أجل تمكينها وإبراز دورها القيادي.
اقرأ أيضًا: “أوبرا وينفري”.. من ضحية اعتداء جنسي إلى أشهر مذيعة في العالم
العودة إلى أرض الوطن
كتبت آسيا جبار مسرحية تحت “أحمر لون الفجر” عام 1969 بالتعاون مع زوجها وليد قرن، ثم بعد انتهاء الحرب عادت آسيا جبار إلى الجزائر وبدأت في تدريس التاريخ في جامعة الجزائر ثم توالت النجاحات بعد ذلك وأصبحت عميدة قسم اللغة الفرنسية في الجامعة.
بدأت آسيا جبار بعد ذلك في عالم صناعة الأفلام وأطلقت فيلمها “نوبة نساء جبل شنوة” عام 1978، وتركت بصمتها بعد ذلك فى عدد من الأعمال السينمائية، حيث كان لها دور كبيرًا وبارزًا فى مجال الإخراج والتأليف السينمائي.
في عام 1980 نشرت آسيا جبار رواية بعنوان “نساء الجزائر في مخدعهن“، التي تناقش قضية انعدام المساواة بين الجنسين في الجزائر بعد مرحلة الاستعمار وتوالت روايتها بعد ذلك حيث قدمت أكثر من 20 رواية، كما ترجمت روايتها لأكثر من 20 لغة.
اقرأ أيضًا: قادمة من دار الأيتام.. كيف وصلت “كوكو شانيل” للعالمية؟
حصدت آسيا جبار جائزة نيوستاد الدولية للأدب عام 1996 عن إسهاماتها في عالم الأدب، كما نالت جائزة معرض الكتب الألمانية عام 2000.
كما انتخبت لعضوية الأكاديمية الفرنسية عام 2005، لتكون بذلك أول امرأة عربية وإفريقية وخامس امرأة تحتل هذا المنصب في الأكاديمية الفرنسية، وتعتبر أيضًا أول كاتبة عربية تحصل على جائزة السلام الألمانية من جمعية الناشرين الألمانية.
لترحل تلك السيدة العظيمة عن عالمنا في 6 فبراير عام 2015 عن عمر يناهز 78 عامًا فى فرنسا، ودفنت فى بلدها الجزائر، مخلفة ورائها ذكرى مؤثرة عن نموذج إنساني عظيم، رفض الظلم والاستعمار وناشدت من أجل تمكين المرأة منذ سنوات طويلة، ورغبت في تعزيز ذلك الكيان الأنثوي فرفضت السلطة الأبوية واحتكار المرأة تحت مسمى عادات والتقاليد، حتى استطاعت بأناملها أن تناشد الجزائرين وهي في بلد آخر، حتى أصبحت من أبرز الشخصيات الأدبية في العصر الحديث.
اقرأ أيضًا: سيدات أنهت الشهرة حياتهن في ظروف غامضة