كاتب ومقال
أخر الأخبار

اللامدخنون

مأساة أن تكون غير مدخن

كتب: محمد عرجاوي

طبعاً أعرف أن الفزلكة اللغوية ستعتبر أن عنوان هذ المقال خطأ. فالمفترض أن يكون (اللامدخنين)، لكن هذا خطأ متعمد ليكون على وزن (المذنبون). قد يتساءل البعض عن علاقة عدم التدخين بالذنب . ورداً على ذلك فأدخلوا أي (كافيه) فستجدون أن الأماكن المميزة محجوزة للمدخين. أما هؤلاء المذنبون (اللامدخنون) فمكانهم دائماً في أسوأ زاوية بالكافيه. فدائما نحن اللامدخنين مذنبين منعزلين (وحشين) محترمين مطرودين من جنة المدخنين التي تتمتع بسعة الاتصالات وكثرة الإختراعات وتعتبر أماً للبهجات والضحكات.

الحقيقة أن التدخين أصبح تذكرةً لدخول عالمٍ من نوعٍ خاص، عالم المعلومات والمعاملات وأيضاً عوالم (الفرفشة والنعنشة) بالإضافة إلى الغرض الرئيسي طبعاً وهو تدمير الذات.

وهناك تذكرة أخرى أغلى قليلاً، ألا وهي (الشيشة)، وهي تصحبك إلى عوالم ( مسااااء الخيييير )، وعوالم المِعلمين (بكسر الميم) والمثقفين الحنجوريين إياهم، بالإضافة إلى ظهور موضة (الكلبوبات) اللاتي يقمن بتدخين الشيشة (for fun)، وأيضاً من أجل التحرر من قيود المجتمع الذكوري المتعفن الرجعي (الِوحِش) بكسر الحاء. هذا بالإضافة لتسليك سكك أخرى هادفة ومثقفة لا يمكن ذكرها هنا.

لقد بات الأمر محزناً جداً، فأصحاب الفضيلة أصبحوا على الهامش. وأصبحت مقاعدهم في (سبنسة) المجتمع بعد أن احتل مقاعد البريمو أصحاب التذاكر الدخانية سالفة الذكر. وكثيراً ما يتعرض غير المدخن لنظرات استنكار أو شفقة أو تعالٍ كلما أضطرروا آسفين إلى الإعلان عن عدم تدخينهم، في زمنٍ صار أهله يُعيْرون الإنسان بفضائله.

السؤال هو “من زرع في المجتمع المصري نبذ غير المدخنين”؟ فالدول الغربية المتقدمة دائماً ما تعطي رسائل في أعمالها الفنية تعبر عن نبذ المدخنين. فمثلاً في حلقة للمسلسل الكوميدي الإنجليزي(The IT Crowd) نجد الناس يبالغون في نبذ المدخنين لدرجة أنهم- المدخنين- أضطروا لأن يمشوا أميالاً ويعبروا الحواجز كأنهم في حرب فقط ليتمكنوا أخيراً من تدخين سيجارة واحدة. الشاهد من هذا أن الإتجاه الغربي هو نبذ المدخنين وليس العكس. فمن الطبيعي أن يشعر المدخنون أنهم يرتكبون عادةً خاطئةً وأنهم هم المنبوذون، لأنه بالأصحاء وأصحاب الفضيلة فقط تنهض الأمم وليس العكس.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى