رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| السياسة المصرية.. شطرنج استراتيجي وليس مقامرة عشوائية
السياسة ليست مقامرة مبنية على الحظوظ والمغامرات غير المدروسة، بل هي لعبة استراتيجية تتطلب التخطيط الدقيق والبصيرة الثاقبة لتحقيق المصالح الوطنية العليا. في هذا السياق، تقدم مصر نموذجًا مميزًا في ممارسة السياسة بمنهج يشبه لعبة الشطرنج، حيث تُحسب كل خطوة بعناية لتحقيق مكاسب طويلة الأمد وتجنب خسائر غير محسوبة، بما في ذلك اتخاذ التضحيات عند الضرورة إذا كانت تصب في صالح الوطن.
على صعيد القضايا الإقليمية، تتعامل مصر بحكمة واتزان. في ملف سد النهضة، تبنت مصر دبلوماسية هادئة تهدف إلى الحفاظ على حقوقها المائية من جهة وتعزيز التعاون الإقليمي مع إفريقيا من جهة أخرى. هذه السياسة الموزونة تجنبها الدخول في صدامات قد تكون مكلفة، مع الاحتفاظ بخيارات استراتيجية لمواجهة أي تصعيد.
وفي الأزمة الفلسطينية، تلعب مصر دورًا محوريًا، حيث توازن بين تقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني والعمل على تهدئة التوترات الإقليمية بما يضمن استقرار المنطقة. هذه السياسة أكسبتها احترامًا دوليًا باعتبارها وسيطًا رئيسيًا وقوة إقليمية مسؤولة.
أما على المستوى الدولي، تعتمد مصر على مقاربة متعددة الأقطاب تحافظ خلالها على علاقات متينة مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، دون الانحياز الكامل لأي طرف. هذه الاستراتيجية تمنحها مرونة في الحركة الدبلوماسية، ما يمكنها من حماية مصالحها القومية وتعزيز مكانتها الدولية، تمامًا كما يفعل لاعب الشطرنج الماهر الذي يخطط لتحركاته بعناية ليبقى متقدمًا على خصومه.
في المقابل، هناك أمثلة لدول أخرى اعتمدت استراتيجيات أشبه بالمقامرة السياسية، وكانت النتائج كارثية. حروب غير محسوبة كما في العراق وسوريا، أو قرارات اقتصادية غير مدروسة مثل أزمة بريطانيا بعد البريكست، أدت إلى خسائر باهظة وأزمات وجودية لبعض الدول.
على النقيض من ذلك، تقدم مصر نموذجًا متزنًا في التفكير الاستراتيجي. ورغم أن النتائج قد لا تظهر بسرعة، فإن خطواتها الثابتة جعلتها تحظى باحترام واسع على المستوى الدولي، مع الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها الداخلي.
السياسة الحقيقية، كالشطرنج، تتطلب رؤية بعيدة المدى وتقديرًا دقيقًا للعواقب. أما المقامرة السياسية فقد تُغري بمكاسب سريعة، لكنها غالبًا ما تنتهي بخسائر فادحة. من هنا تظل مصر لاعبًا بارعًا في شطرنج السياسة، تسير بخطط مدروسة نحو تحقيق مصالحها العليا بعيدًا عن الرهانات الخطرة التي قد تضر بمستقبلها.