ماذا نفعل بهؤلاء الفاشلين؟

يخطر على بالي دائمًا هذا السؤال: ما مستقبل لاعب كرة لم يكن بالجودة المطلوبة؟ لعب في فريق أو فريقين، وكان مستواه جيدًا، والمستقبل مفتوحًا أمامه، لكنه بعد ربع أو ثلث الطريق لم يحقق النجاح المنتظر… ربما لأنه لم يستطع مواكبة اللعب الحديث، أو تصادف أن المدرب لم يحبه، أو أصيب إصابة بالغة لا تمكنه من الاستمرار. ماذا سيحدث لهذا اللاعب المسكين؟
غالبًا سيترك اللعبة برمتها ويحاول البحث عن عمل آخر بعيد عن حلمه، وسيعاني الأمرّين حتى يجد ما قد ينفعه، أو قد لا يجد.
ينطبق ذلك أيضًا على مهنة التمثيل… ممثل جيد يؤدي أدواره بجودة عالية، ويتنبأ له الكثيرون بنجاح باهر، لكن بعد هذا الصدى الخلاب، يتفاجأ بأنه خارج اللعبة؛ فلا منتج ولا مخرج ولا حتى زميل يطلبه للعمل. ونظرًا لإيمانه بذاته، ينتظر عامًا بعد عام، ولكن بلا جدوى… ثم بعد فترة، قد نراه يظهر فجأة على الشاشة لأن صدفة ما حدثت، وطلبوه لدور صغير في مسلسل أو فيلم، فنعود لنتذكره ونشيد بأدائه المميز، ونتأسف لأنه لم يستمر منذ بداياته ولم يعمل لفترة طويلة.
ما هي خطة النجاح؟
وماذا نفعل إذا لم نحقق هذا النجاح الذي يسعى إليه الجميع؟
وأيضًا، ماذا نفعل بالفاشلين؟ هل ينتهي دورهم عند هذه اللحظة، ويصبحون بلا فائدة لأنفسهم أو لمن حولهم؟
ماذا نفعل بطالب ليس متفوقًا؟ يحاول لكنه لا يستطيع مواكبة زملائه، أو تصادف أن مرّ بحالة نفسية مبكرة جعلته خارج السياق، أو أن أهله لم يساعدوه بالقدر الكافي؟
في هذا العصر الذي نعيش فيه، تعد احتمالات الفشل أكبر وأضخم وأكثر بكثير من احتمالات النجاح، فالأمور صعبة للغاية، وهناك حواجز متتالية يصعب على الكثيرين، مهما بلغوا من مهارة وذكاء وإبداع، أن يعبروها.
وأصدقكم القول: أصبحت قوانين النجاح غير منطقية ولا طبيعية ولا حقيقية. لم نعد نندهش من أن فلانًا أصبح نجمًا رغم محدودية أفقه وفقر عقله وسذاجة أفكاره. أصبح من الطبيعي أن نجد النجاح مربوطًا بالألعاب الأكروباتية الاجتماعية، وعناصر النفاق والدجل والعلاقات المريبة.
لكن هذه هي القوانين في هذه اللحظة من التاريخ، ومن الصعب تغييرها.
يزعجني الركض الرهيب القاسي نحو النجاح، والذي يجعل الجميع يتحدثون عنه كأنه الحياة ذاتها، وبالتالي فدونه الموت.
كما أن النجاح في ظن الناس ليس فقط الوصول إلى المعدل المرضي من الحياة الراضية الهانئة في البيت والعمل ومع الأسرة والأصدقاء، بل يجب أن يكون نجاحًا مسموعًا مشهورًا مدويًا صاخبًا، وإلا فهو لا شيء.
يزعجني أيضًا أن الناجحين، أو من يعتبرون أنفسهم ناجحين، يجتمعون معًا في تجمعات حصرية، وينظرون من أعلى إلى باقي المجتمع: “لقد نجحنا، وأنتم فاشلون، لا تستطيعون الوصول لما نملكه، أيها الحمقى!”.
إذا سلمنا بالفشل، فإن هذا الطالب الفاشل يجب أن يستمر. كيف نحكم عليه بالسقوط من حسابات الحياة؟ علينا أن نعطيه فرصًا أخرى، ونتعرف أكثر على ما يحبه أو ما يميزه من مهارات، حتى لو كانت بسيطة، ونعمل على تحفيزها وتطويرها. علينا أن نكتشف طرقًا أخرى للتفكير تمنح الناس فرصًا لنيل المعيشة المرضية الهانئة.
أما أصحاب النجاح الساحق، فعليهم أن يهدأوا قليلًا. فلستم الأفضل كما تظنون، ولستم الأقوى، ولستم الأعظم، ولستم “نمبر وان”. أنتم أناس شاءت الظروف، أو الموهبة، أو الصدفة، أو صلة القرابة، أو النفاق أن تجعلكم ما أنتم عليه، وهذا لا يعطيكم الحق في احتقار الآخرين.
بقلم :فيصل شمس