مراهق الأسرة

أنصحكم بمتابعة المسلسل الإنجليزي Adolescence (مراهق الأسرة) المؤلف من أربع حلقات فقط، من إنتاج نتفليكس. في نظري، يُعد هذا المسلسل تجربة فنية ودرامية على مستوى عالٍ وراقٍ للغاية، وقد حصل على تقييم 8.5 من 10 في معظم المواقع الفنية. وهو من تأليف وابتكار وبطولة ستيڤن جراهام (يؤدي دور الأب)، وهو ممثل قدير لا أنسى له دوره الرائع في فيلم Snatch، حيث قدّم دورًا خفيفًا لكنه مؤثر للغاية.
أما الشخصية الرئيسية في الحلقات، فهو الطفل (أوين كوبر) الذي أدى دور (چايمي) في أولى تجاربه على الشاشة. وبشكل عام، جميع الممثلين أدوا أدوارهم ببراعة غير عادية، خاصة مع اعتماد المسلسل على تقنية “اللقطة الواحدة” دون أي تقطيع طوال الحلقة، وهي طريقة تتطلب تركيزًا شديدًا من طاقم العمل، لأن أي خطأ من الممثلين أو الكاميرا أو فريق الإنتاج أو الصوت يستوجب إعادة تصوير الحلقة كاملة من بدايتها حتى نهايتها.
وقد اشترك النجم العالمي براد بيت في المسلسل كمنتج تنفيذي من خلال شركته Plan B Production التي ساهمت في إنتاج العمل.
يبدأ المسلسل بهجوم قوات الشرطة على منزل للقبض على مراهق يبلغ من العمر 13 عامًا (چايمي) بتهمة قتل زميلته في المدرسة. وبما أن المسلسل يعتمد في كل حلقة على اللقطة الواحدة دون أي تقطيع، تنتقل الكاميرا ببراعة غير عادية لتكمل الحلقة في قسم الشرطة، حيث تحضر العائلة مع ابنها ويتم التحقيق معه في حضور محامٍ. ويتم في النهاية احتجاز (چايمي) نظرًا لقوة الأدلة ضده، إذ رصدته الكاميرات وهو يطعن صديقته.
وهنا يطرح المسلسل عدة أسئلة:
هل يُنكر الأب (إيدي) كل الأدلة ويصدق ابنه الذي يؤكد أنه لم يفعل شيئًا؟ أم يقتنع بالأدلة المادية التي تُظهر أن ابنه قاتل، وتقلب حياة الأسرة رأسًا على عقب؟
ما هو هذا الشر الخفي الذي يحيط بنا ويجعل مراهقًا يقتل زميلته؟ ما هو الشر أصلًا؟
حتى نهاية الحلقة، سيظل المشاهد متيقنًا أن هناك خطأ ما أدى إلى القبض على هذا الطفل، الذي يوحي شكله وهيئته بالبراءة وربما السذاجة. لا يمكن أن يكون قتلها. لا بد من وجود حقيقة خفية ستظهر لتعلن براءته.
الحلقة الثانية تركز على تحقيقات الشرطة في المدرسة، وتُظهر بوضوح حال التعليم وطيش الشباب، وحالات التنمر، والأسرار الخفية داخل كل فصل دراسي وبين الزملاء، بالإضافة إلى الضغط الشديد الواقع على الطلبة، والضغط الأكبر الواقع على المدرسين الذين يحاولون السيطرة على الطلبة في كل لحظة، وغالبًا لا ينجحون في ذلك.
وفي النهاية، نصل إلى قناعة بأن هناك خللًا ما في نظام التعليم، يساهم في تحويل شخصيات هؤلاء المراهقين إلى نماذج عنيفة، أو كئيبة، أو منعزلة.
الحلقة الثالثة تدور بعد احتجاز (چايمي) لعدة أشهر في دار رعاية قبل موعد المحاكمة المنتظر. وتدور الحلقة داخل غرفة في مكان الاحتجاز، حيث تأتي المحللة النفسية المعينة من قبل المحكمة (إيرين) لتقييم حالته النفسية. تبدأ بمناقشته وطرح الأسئلة، بعضها صحيح وبعضها خاطئ، ما يدفع (چايمي) أحيانًا إلى الصراخ والهجوم عليها. تتماسك المحللة أحيانًا وتخاف أحيانًا، ويستمر الحوار العصبي بينهما طوال الحلقة.
أما الحلقة الرابعة فتدور في منزل عائلة (چايمي)، حيث يكتشف الأب، في يوم عيد ميلاده، أن هناك من كتب عبارات نابية على سيارته. يذهب إلى السوق لتغيير الطلاء ويتشاجر مع مجموعة شباب قاموا بهذا الفعل، ثم يتشاجر مع العاملين في المتجر.
وفي نهاية الحلقة، يتلقى الأب مكالمة من ابنه (چايمي) من مكان الرعاية، يخبره فيها أنه قرر تغيير إفادته أمام المحكمة من “غير مذنب” إلى “مذنب”. وهنا يسود صمت قاتل… لقد ضاع الأمل الطفيف الذي عاش عليه الأب وعاشت عليه الأسرة، كانوا ينتظرون شيئًا ما ليُظهر الحقيقة المخفية ويؤكد أن ابنهم لم يفعلها. والآن، قُتل ذلك الأمل.
تدخل الأسرة ونحن معها في دوامة من الأسئلة المؤرقة:
هل نربي أبناءنا بطريقة صحيحة؟
هل نضغط عليهم كي لا يخطئوا؟ أم نتساهل معهم كي لا يصابوا بالعُقد النفسية؟
ما حدود الحرية التي يجب أن نمنحهم إياها؟
هل أخطاء الأبناء هي في الأصل أخطاء الآباء؟
وإذا كان الآباء مشغولين عن أبنائهم، فهم مشغولون بالكفاح من أجلهم أيضًا، فهل هذا ما يعرض الأبناء للضياع؟
كيف تضمن أن ابنك سيكون شخصًا صالحًا؟ وإذا لم يكبر ليصبح كذلك، فماذا تفعل؟
المسلسل لا يجيب على الأسئلة إنما يطرحها، وقد تجنب الملل المحتمل عن طريق الاكتفاء ب 4 حلقات فقط وعلى حد علمي لم يوجد قبلا مسلسل من 4 حلقات فقط فعادة يكون أقل معدل 7 حلقات، وأعتقد أن هذا النوع سوف ينتشر في المستقبل لأنه يحافظ على الإيقاع ويتجنب الملل الذي قد يصيب المشاهد.
استمتعوا بهذا المسلسل وحاولو الإجابة على الأسئلة التي طرحها.