كاتب ومقال

الكتابة وناسها| سوق القرية

بقلم: عبد الرحمن السواح

عبد الرحمن السواح

– “إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق”

لا أحب الأسواق. مذ كنا نسرق في هذا اليوم -ونحن أطفال- أقراص الطعمية حين ينشغل صاحب المطعم بزحام الزبائن، ونترقب موعد مرور سيارات البضائع، لنقفز فوقها ونخطف من أقفاص الطماطم وغيرها ما تقع عليه أيدينا.. ومذ عاينت امرأة تسرق سلعة وتخبئها تحت خمارها، وثانية تتسوَّل، وثالثة تأكل بثدييها.. ومذ راقبت رجلًا يسرق في الميزان، وآخر يتحرَّش باللفظ والجسد..
مؤكد أنني على وفاق فطري مع النبي الكريم الذي أخبرنا أن الأسواق مراتع الشياطين. العجيب أنني حاولت تكرارًا حفظ دعاء دخول السوق، كما حاولت حفظ سورة البينة، ولم أفلح في كليهما حتى الآن!

– “وجعلنا بعضكم لبعض فتنة”

صباح يوم الأحد ليس جيِّدًا، هو الصباح المخصص لسوق القرية، وفيه تتعكر أنفاس الفجر سريعًا بأنفاس التجار، والبضائع، والسيارات، والباعة الجائلين، وطلاب المدارس، والسارقين، والنصابين، والمتحرشين، وعديمي الدين.. إلخ.

في سوق القرية، تاجرة فاكهة، تبيع رمانها لكل يد تمتد إليه.. والأيادي التي تمتد كثيرة، فالبضاعة رخيصة.. “واللي ما يشتري يتفرج”

في سوق القرية، تاجر خضراوات يشهر بضاعته “خياااااار” ويزعق عليه كأنما ينفخ في بوق.. يضحك وهو يغمز بعينيه إلى النسوان، ثم يتحسس بضاعته… “واللي ما تشتري تتفرج”

في سوق القرية، كتلٌ من اللحم الملقى على جانبي الطريق، وما أكثر الجزارين! جميعهم يحاولون غرز سكاكينهم خفية في أجساد الضحايا -البشرية على الأغلب-..

في سوق القرية زبائن؛ قليل من الرجال، وكثير من النسوان المتشحات بالسواد؛ على وجوههن ألوان الطيف، يمارسن إغراءً فجًّا، وفتيات مثل زهور تستدعي قاطفها، بعيون تملؤها الشهوة..

في سوق القرية، يتعمد تاجر رفع سعر بضاعته، تمهيدًا لرفع أشياء أخرى، وتتعمد امرأة أن تفاصل في السعر -هي ليست فقيرة على أي حال، بل ربما كانت أغنى مني ومنك عزيزي القارئ- أظنها تفعل ذلك لتنعم بحديث رجولي يعوضها عن زوجها الغائب..

– “أتصبرون”؟
يتمدد السوق بطول الطريق الرئيسي للقرية، مما يتسبب في شلل مروري منذ الصباح وحتى وقت الظهيرة، ولا أعرف كيف رضى كبار القرية وشيوخها عن ذلك! ناهيك عن تغاضي موظفي الوحدة المحلية، الذين يفرضون إتاوات على التجار، وإتاوات على البيوت، لتنظيف مخلفات السوق..

لم يعد السوق مركزًا لتبادل المنافع، بقدر ما صار محطة لتبادل الهواتف، والنظرات، خاصة في ظل ما تعانيه القرية من غياب وقح للأزواج عن بيوتهم.

– “وكان ربك بصيرا”.

 

نبذة عن الكاتب

عبد الرحمن السواح

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

خريج كلية دار العلوم، وحاصل على الماجستير في البلاغة والنقد الأدبي

صدر له رواية “حضرة المجذوب”
له مجموعة قصصية “تحت الطبع”

للتواصل :

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى