ريم السباعي
يحكى أنه في بقعة من بقاع الأرض بلدة صغيرة نائية يوجد بها حديقة غناء جميلة، لا يستطيع أحد الوصول إليها إلا بشق الأنفس، وذلك لأنها تقع على ربوة عالية، حافتاها الشرقية والغربية شديدتا الإنحدار، والجنوبية منها عبارة عن صخور قاسية، و الشمالية منها فهي خارج حدود البلدة.
دائما يرى سكان البلدة تلك الحديقة مزهرة طوال العام، فأشجارها دائمة الخضرة، فباتت تحكى عنها الأساطير، وتدور حولها الحكايات، ويقص عنها في الأمسيات، وراح البعض يقول بأن الجان هم من يعتنون بها، وآخرون يعتقدون بوجود كائنات خرافية تعتني بها، وآخرون يقولون بأن الطقس في هذا المرتفع يجعلها دائمة الخضرة والإزهار.
في أحد الأيام قرر جمع من أهل البلدة الذهاب إلى الحديقة العالية لرؤيتها عن قرب، فلابد أن خلف تلك الأشجار الخضراء اليانعة أشجارا وأزهارا أكثر جمالا، ولكن كيف السبيل إليها؟ وهنا انقسم الجمع إلى فريقين، فريق رأى السبيل في المخاطرة وتسلق الصخور، وفريق رأى ضرورة تمهيد الطريق لسهولة الوصول، وبعد خلاف دام طويلا إتفق الفريقان على تمهيد الطريق، وبالفعل بدأ العمل الشاق الذي استغرق بضع سنين لتبدأ بعدها رحلة الصعود إلى الحديقة.
لم تكن الرحلة باليسيرة، بل واجه الجميع مصاعب شتى، حتى كاد الجميع أن يعودوا أدراجهم، ولكن سرعان ما يدفعهم حب الشهرة، والفضول، والوصول إلى مكان جميل للاستمرار وتحمل الصعاب، وأخيرا وصل الجمع إلى الحديقة وكانت في إنتظارهم مفاجأة صادمة، فلم تكن الحديقة الجميلة إلا أشجار صناعية، صنعت بشكل جميل من مواد رثة لتحيط بإحدى الخرائب.
فيا له من مكان مقزز يشمئز منه البشر، هدم، وقمامة، يقطنها الحشرات، والقوارض، وسربا من الغربان يحوم في سمائها، فتصدر نعيقا تخفق له القلوب، وترتعد له الأوصال.
وهنا نظر كل منهم للآخر، فهم لا يصدقون أن هذه هي الحديقة الجميلة التي يرون جمالها من بعيد، ويتمنون العيش فيها، بل فقط الوصول إليها، فقال أحدهم: “هيا نعود ونخبر أهل البلدة عن الحديقة المقززة”، فعارضه الجميع في هذا القرار، فلقد آثروا جميعهم البقاء، فغدا سيتحدث أهل البلدة عنهم، وكيف وصلوا إليها، فسينالون شهرة كبيرة، ومكانة رفيعة لكونهم يقطنون الحديقة الجميلة.
أما الرجل الذي قرر العودة فقد تركهم وعاد من حيث أتى، فلم تفلح جميع محاولاتهم في بقائه معهم، فعاد وأخبر أهل البلدة عن حقيقة الحديقة، فصدقه الجميع، وعلى الرغم من ذلك فلم يجد منهم إلا اللوم، والاستهزاء، والمذلة لكونه رفض البقاء في مكان عرف بأجمل الأماكن على الإطلاق، وبمرور الأيام ضاق الرجل بهؤلاء البشر ذرعا، فذهب إلى أحد الحكماء وقص عليه ما حدث، فقال له: “إنك على صواب، لأن الحقيقة واضحة جلية، ولتعلم يا بني أن البشر يركضون دائما خلف البريق الخداع”.
نبذة عن الكاتبة:
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: