دار في خاطري| أنا ومن بعدي الطوفان
“أنا ومن بعدي الطوفان” عبارة فرنسية قيلت منذ عدة قرون، تدل على الأنانية وحب الذات، وتلبية ذاك الأناني لمطالبه، وتحقيق رغباته ولو على رقاب الجميع، نفسه أولا وأخيرا، ولا شيء غيره في هذا الكون.
إن وجود الأنانيين في هذا العالم ليس بأمر جديد، فإن الشخصية الأنانية موجودة منذ قديم الأزل، فهي شخصية سلبية، غير مقدرة بما يفعله الآخر، لا ترضى بأي شيء، وترى نفسها دائما تستحق الأفضل، وأن هذا الأفضل لا يصلح لأحد غيرها.
فالإنسان الأناني دائما يأخذ ولا يعطي، وإذا أعطى فإنه يعطي كي يعود عليه ذلك العطاء بالنفع، أي أنه يعطي من أجل نفسه، ويطالب الجميع بفعل كل شيء من أجله، ولا يقابل ذلك بالشكر والعرفان، ولكن ماذا إذا زاد على تلك العيوب حب الثناء والمديح؟! عندئذ يكون قد أضاف إلى الأنانية صفة النرجسية، فيصبح الفرد أنانيا نرجسيا لا يعنيه في هذا الكون إلا نفسه فقط.
إن ذلك الفرد يحيا منبوذا بين الناس، فلا أحد يود التعامل معه، وإن أرغم أحدهم على ذلك، كان عليه بالأمر العسير، فالإنسان السوي لا يرغب بأن يكون أداة أو آلة تعمل فقط من أجل الأناني والنرجسي، بل يريد أن يحيا حياة سوية بين المتعاونين.
ولكن ماذا إذا لجأ الأناني إلى قوى الشر القابعة في أعماقه من أجل تحقيق ما يريد؟! هنا يتحول إلى إنسان مؤذي، وربما تحول إلى مجرم، لا تحكمه ضوابط ولا معايير، ولا يهمه قانون، فقانونه الوحيد هو “نفسي فقط” ولذلك تتحقق لديه مقولة “أنا ومن بعدي الطوفان”.
وماذا عن الإيثار؟! هل يستطيع الإيثار أن يهزم الأناني؟! أم أنه سوف يستغله من أجل مصلحته التي لا يرى سواها؟! أم أنه يرى الإيثار من الصفات الواجب توافرها في من حوله، حتى يقدمون له ما يريد؟! أم يعتقد بأن هذه الصفة ليست من صفاته لأنه ليس بحاجة لها فهو فوق البشر أجمعين؟!
إن ديننا الحنيف قد نبذ الأنانية فقد قال الله تعالي: ” وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ ” وقال رسولنا الكريم: ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، وحث على الإيثار، لأنه دواء الأنانية، فيا من تجد بنفسك صفة الأنانية، تعلم الإيثار، ودرب نفسك عليه كثيرا حتى تنبذ الأنانية التي سوف يخرج من روحك بخروجها الشر والأذى، فتصبح فردا صالحا محبوبا بين الناس.
بقلم: ريم السباعي