نُفي 17 عاما وعلم نفسه الإنجليزية.. ما لا تعرفه عن البارودي
ظل الشعر العربي فترة من الزمن في حالة من الضعف، يخلو من المعاني الصادقة، والأخيلة المبتكرة، حتى إذا بدأ “محمد علي” نهضته الشاملة، أصاب الشعر العربي شئ من الحركة والنشاط، واسترد بعضا من عافيته، لم تكن كافية لإعادة مجده القديم بملامحه الزاهية، منتظرا من يأخذ بيده إلى الخيال واللغة السمحة، والبيان الفخيم، فكان “البارودي” على موعد مع القدر، جاء ليبث في الشعر روح الحياة، ويعيد لها المجد بفضل موهبته الفذة، وسلامة ذوقه، واتساع ثقافته، وعمق تجاربه، فتقدم لك منصة “كلمتنا” في ذكرى وفاة محمود سامي البارودي إلى أين نفي ولماذا؟
نفي البارودي:
يعتبر محمود سامي البارودي من الشعراء العظماء في التاريخ العربي، والذي ثقف نفسه بالاطلاع على التراث العربي والأدبي، فهو رائد مدرسة “البعث والإحياء” في الشعر العربي الحديث، فكان منذ صغر سنه يعجب بالكتابة والشعر، لكنه نفي الشاعر إلى جزيرة “سرنديب” بسريلانكا في 3 ديسمبر سنة 1882م، لمدة 17 عاما وذلك لنضاله ضد الاحتلال الإنجليزي، ظل في المنفى بمدينة “كولومبو” يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، فسجل كل ذلك في شعره النابع من حنينه وألمه، وفي المنفى شغل “البارودي” نفسه بتعلم اللغة الإنجليزية حتى أتقنها، كذلك علم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة الدين، وذهب إلى المنابر في مساجد المدينة ليفقه أهلها شعائر الإسلام.
طوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يظهر فيها حنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام الشباب ولهوه وما هو فيه الآن، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة على قلبه وظهر عليه أعراض المرض، وعلل فقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه أعراض المرض وضعف بصره، وعاد إلى وطنه مصر للعلاج يوم 12 سبتمبر 1899م.
شِعر البارودي:
أقرأ أيضا: شاعر وأغنية| “الأطلال”.. قصة حب لم تكتمل وراء القصيدة
يعد البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث، حيث نظم الشعر في أغراضه المعروفة، من غزل ومدح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسما نهج الشعر القديم، وصياغته المحكمة وربطه بحياته وحياة والدته، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم، فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن وطنه، والزوج الحاني والأب الشفيق، والصديق الوفي.
ترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في 4 مجلدات، وقصيدة طويلة عارض بها “البوصيري”، أطلق عليها “كشف الغمة” وله أيضا “قيد الأوابد” وهو كتاب نثري سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع، وترك “مختارات البارودي” وهي مجموعة من الشعر مجمعة من ثلاثين شاعرا من فحول الشعر العباسي، تبلغ نحو 40 ألف بيت.
أهم أعمال البارودي:
أبشروا بمحمد.
إلى الله أشكو.
خوف معشوقة.
أعد يا دهر.
أفتانة العينين.
مجموعات شعرية سميت “مختارات البارودي”.
نظم البارودي مطولة في مدح “الرسول”، تقع في 450 بيتا، وقد جارى فيها قصيدة “البوصيري” البردة، قافية ووزنا وسماها “كشف الغمة” في مدح سيد الأمة، مطلعها:
يا رائد البرق يمم دارة العلم واحْد الغَمام إلى حي بذي سلم
مؤلفات عن البارودي:
البارودي حياته وشعره _ “نفوسة زكريا” القاهرة 1992م.
مختارات من شعر البارودي _ مكتبة الأسرة _ القاهرة 2005م.
محمود سامي البارودي شاعر النهضة _ مكتبة الأنجلو المصرية _علي الحديدي القاهرة 1969م.
البارودي رائد الشعر الحديث _ دار المعارف _ شوقي ضيف _ القاهرة 1988م.
وفاته:
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم “شوقي وحافظ ومطران” وقد تأثروا به وصاروا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة وأطلق عليهم “مدرسة النهضة” وتوفي بعدها البارودي في 12 ديسمبر 1904م، بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل استقلال مصر وحريتها وعزتها.