“صورة الذات”.. عندما يصبح النقد والتحليل النفسي دافعين للتفكير
تحت رعاية الأستاذ الدكتور علاء عبدالهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، استضافت شعبة النقد والدراسات الأدبية برئاسة الدكتورة هدى عطية، ندوة لمناقشة كتاب “صورة الذات وجدلية الصراع مع الآخر.. مقاربات نقدية في الرواية العربية”، للدكتورة رشا الفوال، بمقر الاتحاد بالزمالك.
وقد ناقش الكتاب كل من الدكتور عادل ضرغام، أستاذ النقد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم، والناقد والكاتب أستاذ سيد الوكيل، وأدارت اللقاء الدكتورة رشا صالح، في حضور الدكتورة هدى عطية، رئيس الشعبة، والدكتور عايدي علي جمعة، عضو الشعبة، والأستاذة سمية عبدالمنعم، المنسق الإعلامي للشعبة، ولفيف من المبدعين والنقاد والإعلاميين.
اكتشاف الذات في الشخصيات الروائية
بدأت الندوة بكلمة الدكتورة رشا صالح، والتي أوضحت أن الكتاب يعد جسرا بين الأدب وعلم النفس، تسعى الكاتبة من خلاله لاكتشاف الذات الكامنة في الشخصيات الروائية؛ لأن البحث عن الذات ينفصل عن الجماعة السيكولوجية، فالآخر الذي تشعر به الأنا، هو على الأدق “أنا آخر”، لنصل إلى ما يسمى بصورة الذات.
مضيفة أن الكتابات الروائية تتفق في رصد المواقف والأحداث الحياتية التي تتصارع فيها القوى النفسية، في محاولة لاستبطان مواطن الضعف والقوة عند الشخصية الروائية، وكذلك بيان الصراع النفسي الذي يعد، في حقيقته، تجسيدا لمعاناة هذه الذات.
وأوضحت د. رشا صالح أن د.رشا الفوال قد اهتمت في كتابها بمفاتيح الصراع النفسي داخل الشخصيات الروائية، كما ألقت الضوء على مظاهر الصراع وأبعاده النفسية، من خلال اثنتي عشرة رواية ارتكزت عليها الكاتبة، فربطت في دراستها بين قدرية الصراع وأبعاد الاغتراب وآلياته، كما رصدت ذلك الصراع بين الذات والموضوع.
اشتباك الذات مع الآخر
فيما أكد الدكتور عادل ضرغام، أستاذ النقد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم، أن الكتاب يشهد حضورا للغة التي تمس المعاني والدلالات، فهي بطبيعتها تحفل بالرموز والمعاني ذات الخصوصية، ورغم ذلك فهي لا تتعدى حدود التعرية، إلى جانب ابتعادها عن الثرثرة وامتلاكها لغة علمية تتجنب الترهل الذي يمكن أن نقابله عند آخرين.
مضيفا أن الكاتبة تمتلك وعيا بالأساسيات المهمة، فمن الأفكار المهمة التي لها حضور واضح أنه لا يمكننا تحديد ماهية الذات دون الاشتباك مع الآخر، وهو المبدأ الأساس الذي تنطلق منه كل هذه المقاربات النقدية، فربما شعرنا بأن هناك تماهيا بين الذات والآخر، وربما تضاربا.
متابعا أن الكاتبة تحرص على تقديم خاتمة في نهاية كل دراسة، وهي نقطة تعد إيجابية وسلبية في الآن ذاته، فهي لا تقدم بشكلها المتعارف عليه، بل تعد عنصرا متفردا عما قدم في الدراسة، فتتوقف خلالها الكاتبة على مجموعة من الجزئيات التي لم تتطرق لها خلال الدراسة.
ويختتم د. عادل ضرغام، أن تلك الإيجابيات سالفة الذكر إنما تحتم على القاريء أن يتحاور مع الكتاب في ظل المقاربات النقدية التي قدمتها د.رشا الفوال.
مؤكدا أن السؤال الأهم هو أين تندرج تلك الدراسات التي يحويها الكتاب، وكيف يمكن تصنيفها، هل مع علم النفس أم داخل المقاربات النقدية الأدبية، منتهيا إلى أنه يرى أنها أقرب إلى الدراسات النفسية.
النقد الأدبي والتحليل النفسي دافعان للتفكير
بينما يرى الناقد والكاتب الأستاذ سيد الوكيل أن نقد كتاب أدبي، فيما يسمى بنقد النقد، هو أمر شائك، وربما عُد إجراءً حجاجيًّا، إلا أن الخلفية النفسية للكتاب تجعل الأمر ممكنا.
موضحا أن هناك جملة مفتاحية تحيلنا إلى الوضوح، وهي “التحليل النفسي للإبداع”، فكلاهما يدفع للتفكير، فهما من مصدر واحد؛ لذا لابد من التعامل مع النص باستخدام الحدس، مازجا بين الإبداع وعلم النفس.
وأكد “الوكيل” أن الجمع بين علم النفس والإبداع في هذا الكتاب، يخلق فضاء فسيحا أكثر مما لو تم تناول كل منهما على حدة، فتلك النصوص إذا تم تناولها من جهة علم النفس فحسب سيكون التناول قاصرا، والأمر ذاته لو تم تناولها نقدا أدبيا، لذا فإن خروج هذا بذاك قد خلق ثراء في التناول.
العلاقة بين “الذات” و “الأنا”
أما الدكتورة هدى عطية، رئيس شعبة النقد، وأستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس، فبدأت حديثها عن الذات والأنا، من وجهة نظر لغوية، مؤكدة أن “هو” يظهر هوية الذات، أما “الذات” فيمكن تقسيمها لغويا إلى “ذا” وهو اسم اشارة، يشير إلى الذات في معية الآخر، منتقلة إلى ذلك الصراع الداخلي بين الأنا وذاتها، خاصة إن كانت الذات تشعر باغتراب ما، وهو ما فعلته د.رشا في كتابها، حيث إدارتها الواضحة لتلك العلاقة بين “الأنا”، والذات، والتي تقوم على الصراع.
مستطردة، أننا من هنا يمكننا الانتقال إلى المكان وصناعة المكان، فإن هناك ثلاثة أنواع من الأماكن يمكن رصدها في السرديات الأدبية؛ مكان كينونة، مكان نفي، مكان نزوع، فربما نظل نحيا حياتنا ولا نصل لمكان الكينونة الخاص بنا، وربما ظلمنا هذا العالم في مكان النفي، وقد لا نستطيع الوصول لمكان النزوع الذي نشعر أننا سنحيا به أفضل، وقد يظل حلما لا يتحقق، وهو ما يجعل السرديات الأدبية تنطلق من المكان الجذري، مما جعل الأدب عامة تعبيرا بالصورة، وهو ما يحدو بنا في كل مراحل حياتنا للتفكير بشكل نفسي، ومن خلال تلك الصور التي نشير إليها.
واختتمت د. هدى عطية كلمتها مشيرة لذلك المزج بين علم النفس وعلم اللغة، وهو ما تؤكده الأسلوبية التأصيلية.
كما شهدت الندوة مداخلات مهمة من بعض الحضور، مثل الكاتب والناقد محمد عطوة، والشاعر محمد أبوالعزايم، الكاتب صلاح الرواي.