كلمة ورد غطاها| اوعى تعمل مجنون
من أحد النصائح القبيحة التي يقدمها بعض من عتاه العاملين في المؤسسات والشركات لمن يتوسّم فيه الطيبة والصلاح من الموظفين الجدد، أن يتصرف بأسلوب غريب ومريب وغير متوقع. البعض يختصر النصيحة قائلاً له: “اعمل لهم مجنون” حتى يتجنبه الناس، وحتى المدراء يعاملونه بحرص، ولا يتوقعون منه الكثير على أساس أنه “ليس على المجنون حرج”. وهو ما يجعلهم يقابلون أي عمل صحيح يقوم به، ولو ضئيلاً، بالكثير من التقدير والاهتمام.
والحقيقة إنني على مدار العقود الماضية شاهدت الكثير من تلك النماذج التي استجابت للنصيحة الخاصة بالجنون، أو من هؤلاء الذين استجابوا لنصائح أخرى مرتبطة بالبلاهة والتخلف العقلي والكسل والبطء في الإنجاز. وشاهدت كيف تنجح تلك النصائح، ولكنه نجاح مرحلي وجزئي، بمعنى أن من يقدم على تلك الأفعال قد ينجو مرة أو مرات مع مدير متساهل أو خائف، ثم يصطدم لاحقاً بمدير يعرف قواعد الثواب والعقاب الإدارية الحاسمة والعادلة. وهنا يحدث أمر من اثنين: إما أن يقوم هذا الموظف بتعديل أسلوبه والعودة إلى جادة الصواب، أو يستمر في الانصياع للنصيحة بإصرار يؤدي به في النهاية إلى الإنذار بالفصل أو الفصل الحقيقي.
الأخطر من ذلك أن البعض يستمر في ادعاء الجنون أو الكسل حتى تصبح من سماته الشخصية الحقيقية التي لا يعرف كيف يتخلص منها، ليس فقط في إطار العمل، بل في باقي الأطر الشخصية والعائلية وبين المعارف والأصدقاء أيضاً.
الأخطر والأخطر من ذلك ما رأيته من حالات أدت بها تلك الادعاءات إلى انعدام الستر والتوفيق. فأول الأمر وآخره هو مراقبة الله ومعاملته، وليس معاملة البشر أو الخوف من بطشهم. ولذلك فإن أغلب تلك النماذج تنتهي نهاية مأساوية بالرغم من اتخاذهم للكثير من الاحتياطات لكيلا تنكشف حيلتهم، طال الزمان أم قصر. ولكن للأسف لا يتعظ إلا أقل القليل من البشر، ويستمر الغالبية في إسداء نفس النصائح، ويستمر الكثيرون في الاستماع لها وتنفيذها.
لذلك فإن النصيحة الحقيقية والصادقة يجب أن تكون: “اوعى تعمل مجنون”، واتقِ الله في عملك ومعاملاتك، والأرزاق على الله، والتوفيق دائماً منه.