تقارير متنوعةكلام رجالة

مساع لإغلاق 130 بيت ثقافة فى 24 محافظة.. كيف استقبل المثقفون القرار؟

استجوابات برلمانية وطعون قضائية.. هل يتراجع وزير الثقافة عن قراره؟

رضا الشويخي

قرار حكومي ورفض من المثقفين:

«سنغلق الشقق المؤجرة بنظام الإيجار القديم التي فقدت تأثيرها الثقافي ولم تعد تقدم نشاطًا فعّالًا» بهذه العبارة ضمن ما ورد على لسان الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة المصري، انطلقت الكثير من المياه في شوارع المثقفين، التي بات بعض من فيها يرى أنها تعيش أزمة وتحتاج إلى قبلة الحياة بدلًا من وأدها، بينما يرى آخرون أن الرجل محق فيما يقوم به لتوجيه موارد وزارته فيما يمكن اعتباره استثمارًا ثقافيًا، بحسب ما اعتاد أن يسميه من وقت لآخر أحمد هنو يقول إن الوزارة لن تمس قصور الثقافة أو المراكز الإبداعية والفنية، لكنها ستغلق الشقق المؤجرة بنظام ‎الإيجار القديم التي فقدت تأثيرها الثقافي ولم تعد تقدم نشاطًا فعّالًا، وينتفع منها البعض بشكل يثير التساؤلات.. فهل يطلق هذا القرار رصاصة الرحمة على ما تبقى من مصادر تشكيل الوعي الثقافي في الأقاليم، أم يجد من يصوب الشراع، ويغير من السلبيات التي دفعت “هنو” إلى اتخاذ مثل هذا القرار بدلًا من محاولة إصلاح الوضع الحالي؟

وزير الثقافة د.أحمد هنو
وزير الثقافة د.أحمد هنو

النواب يدخلون إلى النقاشات واستجوابات للوزير:

تحت قبة البرلمان، جرت العديد من النقاشات حول القرار المعتزم تطبيقه، والذي يلي قرارات قريبة الشبه تأثر بها المسرح المصري ورفاقه من وسائل التوعية والتثقيف، ومن ناحيتها، قالت النائبة ضحى عاصي، عضو مجلس النواب، إن إغلاق نحو 130 بيت ثقافة فى 24 محافظة، يعد تصرفًا يتنافى مع مبدأ العدالة الثقافية وبناء الانسان،  مضيفة أن أي حديث عن بدائل أخرى يُزعم أنها ستكون أكثر فائدة مثل مسرح التَجوال أو المكتبات المتنقلة أو عدم جدوى هذه البيوت، ليس مقنعًا، موضحة أن هذه الأسباب دفعتها لتقديم طلب إحاطة بالبرلمان، مؤكدة أن مصر بلد الثقافة؛ والاهتمام ببيوت الثقافة وتحسين جودتها وفعاليتها أفضل من إغلاقها.

من ناحيتها تقدمت د/مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بطلب إحاطة موجه لكل من: رئيس مجلس الوزراء، ووزير الثقافة بشأن توجه وزارة الثقافة مؤخرًا نحو تنفيذ خطة لإغلاق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة وتأثيرها السلبي على مستقبل الوعي والإبداع في مصر

 قائلة: «تابعنا مؤخرًا الكارثة الثقافية التي تمثلت في إجراءات وزارة الثقافة بإغلاق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، وهي مؤسسات ظلت عقودًا من الزمن إحدى أدوات الدولة في نشر التنوير ومواجهة الجهل والتطرف، وباتت اليوم تُغلق الواحدة تلو الأخرى، إما بدعوى التطوير، أو تحت ستار ترشيد الإنفاق، أو بذريعة أن هذه المؤسسات غير جاذبة للجمهور على حد وصف المسؤولين بالوزارة نفسها»

 وأشارت عضو البرلمان إلى أن الوقائع التي تم رصدها من قلب محافظات مصر كافة، وبالأخص الوجه القبلي، تدق ناقوس الخطر، إذ لم يعد الأمر مجرد إغلاق مؤقت أو إصلاحات متعثرة، بل سياسة عامة قائمة على التخلي التدريجي عن الدور التنويري للدولة، فهناك على سبيل المثال، أكثر من 70 قصرًا وبيت ثقافة ومكتبة مغلقة تمامًا أو تعمل جزئيًا رغم صرف المليارات سابقًا على إنشائها أو تطويرها دون أي مردود فعلي، وأكثر من 300 منشأة ثقافية على مستوى الجمهورية لا تقدم أي خدمات حقيقية بسبب غياب العاملين، أو تهالك المباني، أو توقف الميزانيات، أو غياب البرامج أو الإهمال الإداري، وأوضحت أنه في سوهاج وحدها، تم حصر ما لا يقل عن 11 بيت ثقافة مغلق كليًا أو يعمل بلا أنشطة حقيقية مثل قصر ثقافة طهطا، الذي أُغلق للصيانة منذ سنوات ولم يُفتح حتى الآن، وبيت ثقافة المنشأة الذي تحوّل إلى هيكل فارغ، وفي قنا، تم توثيق غلق بيت ثقافة الوقف، وتعطّل بيت ثقافة أبو تشت، ومكتبة العليقات، أما في أسيوط، نجد أن بيت ثقافة ديروط قد أغلق منذ عام 2020، بجانب أن قصر ثقافة القوصية أصبح بشكل كبير شبه مهجور، وأشارت النائبة إلى أن الأرقام لا تكذب، فوفقًا لتقارير صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، هناك ما يزيد على 120 بيت ثقافة ومكتبة في قرى مصر تُدار حاليًا دون مدير دائم ولا تقدم أي أنشطة ثقافية فعلية، وبعضها يُستخدم كمخازن والبعض الآخر مهجور، حيث إن أكثر من 60٪ من هذه المؤسسات لم تنظم فعالية واحدة خلال عام 2024، وهنا نجد أن معظم ميزانية الهيئة العامة لقصور تذهب على أجور وبدلات إدارات لا تزور مواقعها أصلاً، موضحة أن قرارات الغلق الأخيرة جاءت متزامنة مع تصريحات رسمية من الوزير تُبرّر هذه الإجراءات بأن “الإقبال على المنتج الثقافي ضعيف”؛ فبدلاً من أن تبحث الوزارة عن سبب عزوف المواطنين عن هذه المؤسسات، سواء لعدم تطويرها أو غياب الأنشطة أو رداءة المحتوى، اختارت الحل الأسهل، وهو إغلاق المؤسسات، كمن يُعاقب المريض على مرضه بدلاً من علاجه، وكأن الحكومة قررت التخلّي تمامًا عن أبناء المحافظات، وتركهم فريسة للفراغ الفكري والجهل، دون حتى محاولة لإنقاذ ما تبقى من .ملامح الثقافة العامة

النائبة مها عبد الناصر
النائبة مها عبد الناصر

وأكدت النائبة أن الوضع في محافظات الدلتا، لا يختلف كثيرًا، إذ شهدت مراكز كفر الشيخ والغربية والمنوفية إغلاق عدد من بيوت الثقافة، وتحويل بعضها إلى مقرات إدارية صامتة، أو تركها تنهار بسبب غياب الصيانة، وحتى الآن لم تصدر الوزارة أي خريطة زمنية واضحة لإعادة فتح القصور المغلقة، ولا خطة لإعادة تشغيل المكتبات المتوقفة، بل إن بعض المسؤولين صرحوا ضمنيًا بإمكانية تحويل تلك المؤسسات إلى مشاريع “استثمارية ثقافية” بالشراكة مع القطاع الخاص وبلا شك فأن هذا التوجّه يفتح الباب على مصراعيه أمام خصخصة الثقافة، وجعلها سلعة لمن يملك ثمنها، بدلًا من أن تبقى حقًا لكل مواطن

كما أكدت أيضًا على أن ما يحدث الآن ليس مجرد تدهور إداري، بل انسحاب صريح من دور الدولة في بناء الإنسان المصري فكريًا ووجدانيًا، وهو انسحاب بدأ بهدم المكتبات وتحويل بيوت الثقافة إلى أطلال وسيُنهي بجيل لا يعرف الكتاب، ولا المسرح، ولا الموسيقى، ولا الفكر الحر

وشددت النائبة على أن السكوت على هذه النكسة الثقافية هو تفريط في الأمن القومي الناعم للدولة المصرية، وضرب مباشر لهوية مصر التي كانت دومًا منارة للإبداع والفكر، وإن كانت الحكومة قد أنفقت المليارات في مشاريع البنية التحتية، فإن إغلاق بيوت الثقافة يُمثّل هدمًا ممنهجًا لبنية الإنسان نفسه، وهو أفدح من هدم أي طريق أو كوبري، واختتمت النائبة مها عبد الناصر طلب الإحاطة مُطالبة الحكومة بشكل واضح وصريح بإلغاء قرارات إغلاق قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، ووقف هذا النزيف الثقافي فورًا، مع وضع استراتيجية شاملة للتوسع في إنشاء وتحديث تلك المؤسسات داخل القرى والمراكز والنجوع، وتكثيف القوافل والأنشطة الثقافية المتنقلة في المناطق المحرومة، وتحديد جدول زمني دقيق لإعادة فتح كافة المواقع المغلقة فعليًا خلال مدة لا تتجاوز ٦ أشهر، على أن يُتابع البرلمان هذه الخطة رقابيًا وبشكل دوري

كتاب وشعراء في مواجهة القرار:

ومن ناحيته، يوضح الكاتب والناقد والمخرج المسرحي ناصر العزبي، بالإشارة إلى ما يتم تداوله من قرار بإغلاق بيوت الثقافة، إننا لم نشاهد حتى الآن استثماراً للثقافة، ولم نستوعب حتى الآن مشروع وزير الثقافة، ولم تظهر حتى الآن ملامح مشروع الاستثمار في الثقافة ..! مضيفًا أن المؤسسة ينبغي أن يكون لها منشآت تُمارسْ فيها نشاطاتها وتقام بها الفعاليات، ولكن ما نشهده هو أن الوزارة تفقد منشآتها تباعاً، مسارح هيئة المسرح، وبيوت ومكتبات بهيئة قصور الثقافة، وتقليص عدد فرق وميزانيات وتقليص نصاب قانوني لعروض الفرق، وأمور أخرى تتكشف تباعًا، بحسب تعبيرها، بجانب إغلاق 39 موقعًا في إقليم واحد، مضيفة: «لقد بات من السذاجة تكرار توضيح أهمية التنوير وأثر الدور الثقافي على المجتمع، ولم يظهر لنا حتى الآن تفعيل مهمة وزير الثقافة بالاستثمار في الثقافة؛ فهل يكون الاستثمار بتقليص الإدارات المركزية وتحويلها لإدارة عامة “المركز القومي للمسرح نموذجًا”»؟

وأضاف العزبي العديد من الأسئلة، من بينها:

  • هل يكون الاستثمار في توفير قيمة الإيجارات؟
  • هل يكون الاستثمار في تحويل مسارح الفرق لتنفيذ حفلات غنائية للنجوم لتدر فلوس قد تقل عن تكلفة الحفلات من أجور للنجم والمرافقين له واستهلاك كهرباء ومعدات، وهل يكون الاستثمار بإيجارات المسارح على حساب النشاط المخصصة من أجله؟
  • هل يكون الاستثمار بتحويل المسارح إلى سينمات على حساب نشاطها التي بنيت من أجله وقفل أبواب المسارح في وجه فنانيها لتتسول أماكن للبروفات والعروض؟

  • هل يكون الاستثمار بتقليص النشر الورقي وإعدامه والاستبدال بالنشر الإلكتروني والمواقع الإليكترونية؟
  • هل يكون الاستثمار الثقافي بزيادة أعباء الهواة من الفنانين والأدباء بالفاتورة الإليكترونية التي لم تستطع الوزارة التدخل لإلغائها؟
  • هل يكون الاستثمار بجلب الرعاة للمهرجانات بما يقلل من هيبة الثقافة والاتجاه للتكريمات غير المستحقة؟
  • هل يكون الاستثمار بتقليص الموظفين لتوفير مرتباتهم حتى باتت المنشآت الثقافية تعاني نقص العمالة بما يترتب عليه غلق المقار التي تفرغ من الموظفين؟

مضيفًا في ختام حديثه أن الثقافة الجماهيرية خط أحمر -على حد تعبيره-

في سياق متصل، الشاعر والكاتب المسرحي أحمد الصعيدي يوضح عدم رضاه عن القرار قائلا: «فى أحد الاجتماعات الوزارية المخصصة لتدبير الموارد المائية الخاصة بإعادة تسليح الجيش المصرى بعد هزيمة ٦٧ بحضور الرئيس جمال عبد الناصر اقترح الفريق محمد فوزى وزير الحربية توفير ميزانية وزارة الثقافة، والتى لم تكن تتجاوز مليون جنيه وقتها، وتوجيهها للمجهود الحربى وكان رد الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة عنيفاً عليه؛ حيث قال:

إن هذا المبلغ الذى تريده يشكل الوعى العام ويؤهل الجنود الذين سنحارب بهم للدفاع عن الوطن واسترداد التراب الوطني، وهو مبلغ لا يساوى ثمن طائرة أو دبابة من التى دمرت في المعركة وأتفق معه الرئيس وتم رفض المقترح

ويتابع الصعيدي أنه يقول هذا بمناسبة قرار وزارة الثقافة بغلق المواقع الثقافية المتمثلة فى بيوت الثقافة بالقرى واستبدالها بالمسارح المتنقلة والقوافل الثقافية التى هى موجودة بالأساس ولا تعمل، وأن المشكلة ليست فى كون بيت الثقافة فى شقة أو مبنى تابع للمحافظة ولكنها فى عدم وجود رؤية حقيقية للتشغيل والتطوير والابداع وتنمية المواهب، متابعًا أنن غلق موقع ثقافى يعنى افتتاح عشرات من زوايا التكفير ونشر الظلام.

فيما يضيف الكاتب هاني سالم أن إغلاق قصور الثقافة ما هو إلا استكمال للتجريف الذي حدث منذ سنوات وتمهيد الأرض لتكون خصبة للأفكار المتطرفة وإلغاء الهوية المصرية وليس ترسيخها، مؤكدًا أن الثقافة هي المتنفس لكل الأجيال، واحة العقل والنفس، وهي الحصن الحصين المانع الجامع للإنسان وتنير عقله وفكره بنور العلم والمعرفة فتسطع شموس الحقيقة والحكمة. متابعًا أن قصور الثقافة وأيضاً الصالونات الثقافية متنفس للمصريين فكرياً، والأفضل أن نطورها ونعظم فائدة القصور وليس غلقها، باعتبار الغلق كارثة ونكسة حقيقية؛ فمصر بلد الثقافة والفنون ودور الهيئة العامة لقصور الثقافة مهم ومؤثر في نشر الوعي الثقافي بين أبناء المجتمع المصري،

والسيد الرئيس السيسي دائماً يوجه ببناء الإنسان المصري والعمل على نشر الوعي والتوعية والتنوير وتعليم الفنون وتحصين الشباب ضد الأفكار المغلوطة والمتطرفة، فكيف نغلق بيوت الثقافة بكل سهولة ولا حياة لمن تنادي وكأنك يا أبو زيد ما غزيت!

بين قبلي وبحري.. من يقول للقرار “لا”؟:

وبدورها تضيف الصحفية نهال دوام، عضو مجلس إدارة الهلال الأحمر أن بيوت الثقافة ومكتباتها في عداد الأموات بالقليوبية، مضيفة أن غلق المواقع الثقافية المؤجرة بالهيئة من هيئات أخرى في حالة تنفيذه سيصيب القليوبية التجريف التام، إذ إنه بموجب هذا القرار سيتم غلق 8 مواقع ثقافية هم: بيت ثقافة طوخ وسنديون وقها وشبين القناطر وشبرا شهاب وأبو زعبل والشموع وأجهور الكبرى، دون مراعاة لهذا الإخلاء الثقافي ولا الانسحاب الكامل في وقت تصطف فيه كل قطاعات الدولة ومؤسساتها وخاصة التعليمية والثقافية موضع المواجهة أمام قوى الظلام والتطرف والتعصب.

وأضافت “دوام” أنه علي سبيل المثال بيت ثقافة طوخ مؤجر من مجلس مدينة طوخ بمبلغ 1400 جنيه لا غير وهو حديث الترميم بمجهودات ذاتية لم تتكبد الدولة فيه مليما واحدا في عام 2019م، لحرص الأهالي على وجود بيت ثقافة بطوخ لاحتضان المواهب وتنميتها وتقديم خدمة ثقافية متميزة، كما أن بيت ثقافة طوخ يقدم خدماته لأكثر من 52 قرية وكفرًا بجوار مدينة طوخ، بوصفه ثاني أكبر المراكز الإدارية على مستوى الجمهورية، وكذلك قصر ثقافة بنها منذ سنوات يتم تطويره وقد حرمت العاصمة والمحافظة بالكامل منه ولا نعرف متى سينتهي هذا التطوير، مضيفة: «هل نحن نبني قصورا للثقافة لنعمرها أم لنغلقها في ظل ما نعانيه من أزمة أخلاقية في المجتمع!»

وحول رد فعل مدير بيوت الثقافة، تسلط «منصة كلمتنا» الضوء على بعضها، حيث أوضح مدير بيت ثقافة «أبو صير» أن قرار غلق بيوت الثقافة المؤجرة يقضي على مواهب القرى والمدن، ويؤكد ماجد عشماوي مدير بيت ثقافة أبو صير الملق، أن قرار الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة بإلغاء جميع بيوت الثقافة المؤجرة ونقل العاملين بها إلى أقرب فرع أو الانتداب لمصالح حكومية أخرى يمثل بترًا للثقافة من القرى والمدن ويقضي على المواهب التي تخرج منها، مشيرًا إلى أن بيت ثقافة أبو صير الملق يستأجر مقره من جمعية تنمية المجتمع المحلي مقابل جنيه واحد أي ليس هناك إهدار للمال العام وهذا متكرر في معظم بيوت الثقافة في جميع أنحاء البلاد، في حيث أوضح ياسر رأفت مسؤول المسرح ببيت ثقافة أبو صير الملق  بأن بيت الثقافة بالقرية هو البيت الوحيد بمركزي الواسطى وناصر، وهو المنفذ الوحيد لإخراج وتنفيذ الأعمال المسرحية والثقافية؛ وغلقه سيكون بمثابة القضاء على الفن والأعمال الثقافية في المركزين، رغم دعم الدولة للثقافة والمسرح وتشجيع الشباب على الإبداع.

ومن الصعيد إلى المنوفية حيث عقد “نادي أدب بركة السبع” نقاشًا حول القرارات، وأوضح في بيان له أن القرار من شأنه أن يدفع إلى ما أسموه “مرحلة التخلص من الثقافة وتجفيف منابعها”، وأضافوا أن المكتبات وبيوت الثقافة تضم أندية أدب وفرقا فنية مستمرة في أداء دورها، مؤكدين أهمية إعادة تنظيم المواقع لخدمة ثقافية أكثر كفاءة وتوسيع الانتشار بخدمات متنقلة ورقمية في إطار رؤية جديدة واستراتيجية تواكب متطلبات العصر الرقمي، وضرورة استحداث بدائل ثقافية فعالة، من بينها “المسرح المتنقل” الذي يقدم خدمات نوعية متميزة لأهالينا في القرى. وقد تم بالفعل إدخال 14 مسرحا متنقلا إلى الخدمة، بينها 8 مسارح خلال هذا العام، جرى توزيعها على الأقاليم الثقافية المختلفة كما جاء بالبيان ان الهيئة تعمل على التوسع في استخدام المكتبات المتنقلة المزودة بأنشطة فنية وثقافية، بما يعزز وصول الخدمة الثقافية إلى مختلف المناطق.

ثقافة بركة السبع

وأوضح عدد من الشعراء والأدباء رأيهم، حيث قال الشاعر محمد الدروفى أن ما نخشاه عدم إيجاد البديل لهذه البيوت، ويضيف الشاعر محمد الابيدى أن الثقافة خط أحمر، لا يستهان به؛ لأنها القوة الناعمة التى تحارب الإرهاب وتمنع الفساد، أما الشاعر إبراهيم بصله، فيوضح أن هذه البيوت لها مهام تنويرية، لتأكيد معنى الهوية والانتماء؛ مضيفًا أن الاستثمار فى العقول وتطويرها أهم بكثير من الاستثمار فى الأموال؛ فتنوير العقول هو الحصانة الراسخة لغرس الانتماء لتراب هذا الوطن.

وبدوره، قال الشاعر محمد الدغيدي: «باسم كل الأدباء والمبدعين والمثقفين والمنتمين لتراب هذا البلد.. نتوجه إلى المسئولين بإعادة النظر فى القرار المزمع اتخاذه بإخلاء بيوت الثقافة .. ذلك أنه السلاح الوحيد لنشر الثقافة والوعى الذى نمتلكه في هذا الوطن لمواجهة القهر والتعدى ومحاولات التهميش والتزييف»

ويوضح الشاعرومديرثقافة المنوفية الأسبق صبرى عبد الرحمن أن بيت الثقافة ولو كان حُجرة واحدة فهو طاقة نورضد الظلام والجهل والتطرف وما يباع لن يعود ولن يشترى؛ لا تسقطوا ورقة التوت الأخيرة عن جسد فقير مهمل، في حين علقت الأديبة نبيلة غنيم على البيان قائلة: «إذا أردت أن تهدم بلدا، فاقطع رؤوس مثقفيها وأطفيء أنوار العقول المتوهجة واطمس هوية العلماء، واجعل الغث يطفو علي السطح لإشاعة التفاهة، واجعل العقول المجمدة على رأس الإدارة ليعتلوا صهوة الأفذاذ ويكبلوا أفكارهم النيرة، فيسود الظلام وينتشر الظلاميون»

وبدوره، علق الشاعر أسامة محمد قائلا: «حافظوا على الأدباء والمعنيين بالثقافة فهم القلب النابض للوطن والسلاح الحقيقي ضد أعداء بلدنا الحبيب؛ فهويتنا وتراثنا الثقافي والحضارى صنعها المثقفون»، ويستطرد قائلا إن قرار غلق بعض بيوت الثقافة يعد بمثابة منع الأكسجين عن الرئة المجتمعية المستفيدة من الأنشطة الثقافية في القرى والنجوع والمدن وتهجير للأدباء وهم من يحملون على عاتقهم هموم الوطن ويحاربون الفساد في كل مكان، ونرجو من المعنيين وأصحاب القرار دراسة أبعاده وتعديله لصالح المجتمع؛ فمصر كانت وستظل هرم الثقافة ومنبع النور للعالم كله.

كنوز ثقافية أم قرارات عنترية.. من يربح الرهان؟

وبدوره، يوضح الدكتور شوكت المصري، الأستاذ المساعد للنقد بأكاديمية الفنون، أن من يقول بأن ما يحدث تطوير إنما يخدع السيد وزير الثقافة، مضيفًا أنه لو ان أحدهم أراد أن يغلق منافذ الثقافة على المصريين فلن يفعل أكثر مما يحدث الآن، وتابع أن ما صدر من قرارات الإغلاق جاء نتيجة لتقارير لجان لم تزر هذه المواقع، وهنات العديد من الملاحظات التي ينبغي أخذها في الاعتبار، بحسب “شوكت” ومن بينها أن قصور الثقافة خصصت لقصر ثقافة ميت أبو الكوم قطعة أرض من محافظة المنوفية 800 متر ولم يذهب أحد من الهيئة لاستلامها، منذ 3 سنوات، كما خصص محافظ المنوفية اللواء إبراهيم أبو لمون 4 قطع لمشروع مكتبات مصر التابع لحياة كريمة + فيلا قديمة في سرس الليان، استلموا ونفذوا المكتبة، وفي محافظة قطعة أرض مخصصة لوزارة الثقافة بمساحة 10 آلاف متر في أفضل منطقة بالسادات منطقة الجامعات، ولم يستلمها أحد، كما أنه سيتم غلق بيت ثقافة فاضل في مدة تخصيصه “المجانية” 87 سنة، وكذلك إغلاق مكتبة الشاعر محمد عفيفي مطر مساحتها 160 متر وإيجارها 700 جنيه فقط، الكتب الموجودة في المكتبة من أمهات الكتب والمؤلفات الأصلية النادرة، تساوي ملايين، ولن يستفيد منها أحد، غير مخازن وزارة الثقافة!

ويتابع د. شوكت المصري أنه تم إرسال قرار إداري للموظفين في المقرات المؤجرة وغير المؤجرة، لتسليم المقرات وسيتم نقلهم إلى وظائف أخرى، ولا يمكن غض الطرف عن تقاعس وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب عن إمداد بعض المكتبات باصداراتها الحديثة منذ عام 1998!، متابعًا أن إغلاق المقرات قبل إيجاد البديل هو مذبحة بلا مخدر، وينبغي الحذر من الاستثمار الكاذب، لأنه بمثابة طلقة في الرأس!

وإلى أسيوط، حيث يوضح مدثر الخياط، رئيس نادي الأدب المركزي في أسيوط، أن قرار غلق البيوت المؤجرة بمبالغ لا تزيد عن ألف جنيه فى السنه للبيت الواحد وطلب إخلاء هذه المقرات من موظفيها ووقف نشاطها الثقافى والفنى هو تدمير للثقافة.

وفي رسالة إلى وزير الثقافة، أوضح الخياط “هل تعلم أن هذه البيوت التى تتطالب فى غلقها فى القوصية وأبنوب وصدفا قد خرج منها العديد من الكتاب والأدباء والشعراء والفنانين وفرق المسرح وفرق الفن الشعبى والمحافظين على التراث، ألا تعلم معالى الوزير ان الثقافة هى أحد خطوط الدفاع ضد أصحاب الفكر المتطرف؟ ألا تعلم معالى الوزير ومعك السيد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ان المواهب والمبدعين الصغار يلجأون إلى بيت الثقافة لتنمية مواهبهم ثقافيا وفكريا ويبدعون من خلال بيوت الثقافة التى أمرت بغلقها فى الشعر والقصة والإلقاء والرسم والغناء والإنشاد والموسيقى؟”

ويتابع رئيس نادي الأدب المركزي في أسيوط أهمية الحفاظ على المقرات التى خرج منها العديد الكتاب والأدباء والشعراء وكتاب المسرح والرسامين مثل المرحوم ممدوح سليمان الرسام العالمي، والذى كان تقام لأعماله معارض فى فرنسا، وهو من قصر ثقافة القوصية، والشاعر الكبير المرحوم عبد المجيد فرغلى من قصر ثقافة صدفا الذى ترجمت قصائده الفرنسيه والإنجليزية والألمانية، والمرحوم الشاعر محمد أحمد ابراهيم من قصر ثقافة أبنوب، وغيرهم الكثير، مناشدًا وزير الثقافة: «افتحوا أبواب هذه البيوت الثقافية للثقافة والأنشطة الأدبية والثقافية التى تعمل دائما منذ السبعينيات، ومن أعضائها العديد من أعضاء اتحاد كتاب مصر».

وجهة نظر أخرى!:

من ناحية أخرى، هناك فريق لا يرى في الأمر مشكلة، بل ويعتقد أن الأمر جيد بغلق هذه البيوت لأسباب يرون وجاهتها؛ حيث يوضح الكاتب والسيناريست صادق شرشر أن فكرة غلق بيوت الثقافة مقبولة، لأنها لا تقوم بدورها، ويحكمها “مافيا رخيصة يتغذوا على فتافيت بيت الثقافة ويجاملوا أدباء على حساب آخرين” -على حد تعبيره-.

ويتابع “شرشر” أن إغلاقها أفضل، ويمكن استغلال المخصصات المالية في إنشاء مكتبات مجانية لأهالي المنطقة، بحيث يكون البديل ثقافة حقيقية مجانية، وليس مثل المؤتمرات الساذجة مثل مؤتمر الأقاليم ومؤتمرات أخرى بلا هدف أو طرح أي محتوى، والمفروض إلغاء هذه الفعاليات -والكلام لشرشر- والتوجه نحو نشر متطور جديد، والدعم المادي يكون فى طباعة الكتب والقضاء على مشكلة الورق وقوائم الانتظار، مضيفًا أن هذا دور الثقافة إنما أقاليم ومؤتمرات واحتفالات و رحلات وندوات، دون فائدة، فهذا عين العبث!

وفي سياق متصل، يوضح الفنان السكندري عماد خطاب، مؤسس “فنانون سكندريون” و”ذاكرة الإبداع السكندري” أنه مع هذا القرار لأن معظم هذه الأماكن شقق مفروشة لا تقدم فنَا ولا إبداعًا، ويستفيد منها من يتقاضون أجورًا دون حضور أصلًا، مضيفًا: «أنا مع هذا القرار لوزير الثقافة، ولأول مرة اتفق معه فى غلق هذه الشقق المفروشة والتى تسمى مجازا قصور ثقافة ولكن افتحوا القصور الرىيسية المغلقة»

طعن قضائي على قرار وزير الثقافة:

وفي خطوة جديدة يوضح المحامي علي أيوب، أنه تقدم بطعن على قرار إغلاق قصور وبيوت الثقافة على مستوى الجمهورية ،ضد كل من وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، موضحًا أن المطعون ضدهما وبالمخالفة للقانون والدستور قد أصدرا قرارا بإغلاق قصور وبيوت الثقافة المستأجرة على مستوى الجمهورية، ومن شأن هذا القرار قتل الإبداع ودعم الأفكار المتطرفة والإرهاب، وهو ما يخلق حالة فراغ ويحرم ملايين الشباب من تنمية مواهبهم الفكرية والثقافية والفنية، ما يجعل النشء من أبنائنا فريسة سهلة لدعاة التطرف والإرهاب ويقتل الإبداع فى أغلب قرى ومدن مصر.

ويضيف أن القرار يخالف الدستور المصرى الذى جاء فى الفصل الثالث منه المقومات الثقافية فنصت المادة 47 منه على أن تلتزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة وكذلك نصت المادة 48 منه على أن الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك وتولى إهتماما خاصا بالمناطق النائية والفئات الأكثر إحتياجا وكذلك نصت المادة 50 منه على أن تراث مصر الحضارى والثقافى المادى والمعنوى بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى المصرية القديمة والقبطية والإسلامية ثروة قومية وإنسانية تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعماري والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته والإعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون وتولى الدولة اهتماما خاصا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر

ما تزال أصداء هذا القرار حامية الوطيس، ويبدو لمن يراقب المشهد عن كثب أن وزارة الثقافة ستمضي قدمًا في قرارها، وربما لن تلتفت للمثقفين ولا رواد هذه البيوت، فهل تعود عجلة الزمن إلى الوراء، لنترك شبابنا يغرق في مستنقع الجهل دون بديل حقيقي، ونترك وقت لا ينفع الندم، أم أن وراء القرار بديلًا لم يتم الإفصاح عنه حتى الآن؟ الأيام كفيلة أن تكشف المستور، لندرك الحقائق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى