كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| أحلام فترة الغباوة

حاولت أن أضع تعريفا مناسبا للغباوة فلم أجد أفضل من “الفهم الخاطئ للأمور” وحاولت أيضا أن أضع أو احدد فترة زمنية يتسم فيها الفرد بالغباوة فراعنى أن اكتشف أنها تولد مع الإنسان ولا تموت إلا بموته مع موجات من الارتفاع والانخفاض يعتمدا بصورة أساسية على ما يتعرض له الإنسان من معارف ومواقف يكون قادرا فيهما أو بعدهما على تقييم ما حدث ويتسائل “لم حدث” و”كيف حدث” وأن يكون من خلال ذلك قناعاته ومعارفه وقيمه التي يستطيع بهم التعامل مع القادم من الأمور بتمريرهم على العقل والمنطق في محاولة لاكتشاف الغباوة ولتجنبها أيضا قدر الإمكان.

أحيانا أيضا يمكن إدراج “السذاجة” كنوع من أنواع “الغباوة” كسذاجة الطفل الذي يصدق في وجود العصفورة التي تخبر أمه عن كل ما فعل أو الراجل أبو رجل مسلوخة أو حجرة الفئران التي وعد بها المعلم من لن يقوم بحل الواجب على أكمل وجه.

من الغباوة أيضا تصور أن الدنيا أبيض وأسود، ربما رسخ هذا المفهوم الخاطئ التراث الدرامي الكبير الذي جعلنا نستطيع أن ندرك الشخص الشرير ونميزه عن الشخص الطيب منذ الدقيقة الأولى للعمل من خلال مراقبة شكل “حواجبه” وهو ما جعلنا نعتقد أننا “فهمنا الدنيا” من مقارنة حواجب فريد شوقي بحواجب عبد الوارث عسر.

من الغباوة الدرامية أيضا ما رسخته سينما هوليود من توفق ونبل الرجل الغربي الذي يعمل ليل نهار من أجل نشر قيم الحق والخير والجمال وقد يموت كمدا أن لم يستطع إنقاذ قطة صغيرة تسلق مبنى عال أو اخفق في حملة لإنقاذ حيوان الباندا من الانقراض.

من الغباوة الحياتية أيضا الاعتقاد بأن “شحاتين الشوارع” فقراء بالفعل ويستحقون الصدقة وهو ما أثبتت الأيام خطأه، ربما بعد أن وجدت إحدهن تركب سيارة فارهة أو تعيش في قصر منيف أو لديها رصيد من سبعة أصفار في أحد البنوك القريبة.

من الغباوة أيضا تصديق كل كلمة رقيقة وكل أسلوب ناعم وكل وعد معسول فالنفس البشرية شديدة التعقيد وتتغير كثيرا وفي الغالب فإن الهدف الأساسى يكون مصلحتها الشخصية التي تسعى لتحقيقها بأي صورة من الصور.

من الغباوة أيضا الانبهار بالشكل وإهمال التركيز على الجوهر، فالرجل الأنيق مرحب به والرجل رقيق الحال “دمه تقيل” وهو ما حدث مع جحا عندما حاول الدخول إلى وليمة كبيرة بثياب عادية فمنعه الحراس فما كان منه إلا أن عاد إلى بيته وارتدى أفخر الثياب ثم عاد فوجد الحراس يرحبون به ويفسحون له الطريق فكان أول شيء فعله عندما وضع أمامه أطايب الطعام أن غمس ملابسه فيها قائلا “لولاك يا كمى ما كلت يا فمى”.

من الغباوة أيضا الخجل من فترات الغباوة فلولاها لما نضجنا و أصبحنا على ما نحن عليه، فالإنسان يتعلم من أخطاؤه أكثر بكثير من نجاحاته، في النهاية أجد أن التوعية من الغباوة ومثالبها هو فرض عين على كل من تخلص منها وذلك حتى يبدأ الجيل الجديد من مستوى آخر من الغباوة وهلما جرا.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى